حكم الزمان

مشَّطتُ شَعْري هائمًا بغرامِي *
فرمتني مِرآتي بنَظْرَةِ سَاخِر *
وانظرْ إلى الشَّيْبِ الذي بتَسَلُّل *
لا تَمْرَحَنَّ فقد مَضَى عَهْدُ الهَوَى *
فكأنَّمَا صَعَقَتْ بِلَدغةِ عقرب *
ورَجَعْتُ للمِرْآةِ أفْحَصُ هامَتِي *
وبَدَتْ تَجَاعِيدٌ تُخطِّطُ جَبْهَتِي *
يَا خصْلَتِي البيْضَاء عَرْبَدَ لَوْنُهَا *
ما زلتُ أذكُرُ حين كنْتِ بجانِب *
ماذا دهاكِ لِمَ انتشارُك هكذا؟ *
فسمعتُ منها الردَّ جاء مزلْزِلا *
حُكْمُ الزَّمَانِ! وَقَد أتيتُ بموعِد *
انظر لِدَاتِكَ قد علاهُمْ شَيْبُهم *
وَلَكَمْ مررتُ بِفِتْيَةٍ فأصَبْتُهم *
إن طال ليلٌ بِالفَتَى، وَهُمُومُهُ *
آتِ على ظلِّ الشبابِ بِجَوْلَتِي *
ولهُ مِنَ الأفعالِ عندِيَ ما ترى *
فيدورُ في فَلَكِ الحَيَاةِ على عَصَا *
أَبِنِصْفِ قَرْنٍ تَسْتَهينُ، وَلَا تَرَى *
ضَاجَعْتَ هَمًّا، وَالْهُمومُ مَوَاجِع *
يَا أيُّهَا السَّاهِي إِلَيكَ نَصيحَتِي *
وانْسَ الشبابَ؛ فقدْ تَوَلَّى عَهْدُهُ *


وبَدَا عليَّ تهلُّلِي وهُيَامِي
تَعْنِي: كَفَى! حَاذِرْ مِنَ الأوْهامِ
يغزوك، فيه تَسَارُعٌ وتَنَامِ
وتَفَلَّتَتْ أيَّامُهُ بتمامِ
وقَد انتفضْتُ لشِدَّةِ الإيلَامِ
فإذَا المشِيبُ معربدٌ مُتَنَامِ
بِيَدِ السنينِ وريشَةِ الأيَّامِ
بين اشتعال الشيبِ والإضْرامِ
من مِفرَقِي ورأيْتُ فيكِ وِسَامِي
ولِمَ التوسُّعُ دونما إِعْلامِ
وكأنَّهُ سهمٌ رَمَاه الرامِي
وبِجُعْبَتِي عددٌ مِنَ الأحكَامِ
هل حَارَيُوهُ أوِ احتَمَوا بِصِمَامِ؟
ولَهَوْتُ في سَيْرِي بِرَأْسِ غُلَامِ
عَقَدَتْ معاهدةً معَ الْأَيَّامِ
فَأَهُزُّهُ، وَأُصِيبُهُ بِسِهَامي
ولَهُ لدَيَّ قِيَادةٌ بِلِجَامِ
فَتَكَتْ بِهِ عِلَلٌ، وَضَعْفُ عِظَامِ
أنَّ الزَّمَانَ يُصِيبُ بِالْأَسْقامِ؟
وَعَرَفْتَ ألْوَانًا مِنَ الْآلَامِ
أَكْثِرْ صيامَكَ، واسْتَعِنْ بِقِيَامِ
وَاعْرِفْ مقَامَكَ، وَاعْتَرِفْ بِمقَامِي


شعر
د/عبد الناصر بدري أمين
18/6/1435هـ - مكة المكرمة