النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: المعلم وصناعة الحياة

  1. #1
    عضو مشارك
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    المشاركات
    79

    المعلم وصناعة الحياة

    المعلم وصناعة الحياة



    أخي المعلم ..
    يا صاحب أعظم وأشرف رسالة ولا فخر .. يا وريث الأنبياء .. يا معلم الناس الخير لقد أنعم الله عليك وجعلك صاحب رسالة عظيمة في الحياة ألا وهي صناعة حياة الآخرين تبذل وتضحي من وقتك وجهدك ونفسك من أجل هذه الرسالة وأنت في غاية السعادة وقول الله ( سنكتب ما قدموا وآثارهم ------- ) نصب عينيك فأنت صاحب أعظم آثر في حياة الآخرين فلتكن علي قدر المسؤولية تبني ولا تهدم تعمر ولا تخرب تصلح ولا تفسد تخلي وتحلي تغرس القيم وترعها وتنميها في نفوس المتعلمين وتذكر قول الشاعر :
    قد مات قوم وما ماتت مكارمهم ******* وعاش قوم وهم في الناس أموات
    أخي المعلم ..
    اختر لنفسك أن تكون صاحب المكارم الحية المؤثرة في حياة الآخرين التي ينتفع بها إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها فلك أجرها وأجرمن عمل بها إلي يوم القيامة فاحرص أن تكون من هذا النوع أو تكون كمن يعيشون في الحياة بلا رسالة ولاهدف لا طعم لهم ولا رائحة ولا لون فاربأ بنفسك أن تكون من هذا النوع ،
    استرجع شريط حياتك وتذكر من علموك أعظمهم أثرا "إيجابي أو سلبي " صورته واضحة وجلية أشعر بك الآن وأنت تتنهد وتأخذ نفسا عميقا فصاحب الرسالة والأثر الإيجابي في حياتك المعلم القدوة تدعو له وتقدره وتوقره وتتمني لو تستطيع أن ترد له ولو بعضا من فضله عليك أما الآخرصاحب الأثر السييء لا تذكره بخير ... اسأل نفسك الآن بماذا يتذكرك تلاميذك ؟ فاجتهد واحرص أن تكون من النوع الاول وإليك نموذجا فريدا من المعلمين في النصف الأول من القرن العشرين هذه القصة يرويها الأديب الأستاذ / عبد التواب يوسف في كتابه " كان أبي معلما " عندما سأل أباه الأستاذ / يوسف هذا السؤال
    - هل يعطونك ما يقابل هذا الجهد الجهيد ؟
    كان رحمه الله يبتسم ويقول فى هدوء:
    لا تتوقع يا بني ان تعطيك الحياة مقابل ما تبذل..ثم اننى لست بقالا ولا عطاراً فيمكننى تقدير ثمن بضاعتى ..ولكننى على ثقة من ان لجهدى ثمناً غير منظور لا اعرف كيف يمكن لى ان يؤدى لى بل لا انتظر ان يؤدى ..انى اومن ان التعليم ليس وظيفة ،ولامهنة ،ولا عملا ..انما هو "رسالة" و"حياة"..
    وكنت ابتسم ،فقد حسبت انه يقول هذا اقناعاً لنفسه وترضية لها ما دام قد كتب عليه ان يصير معلماً
    ومضت به الايام ،وهو يعطى دائماً ،من تلقاء نفسه وروحه ودمه..لم يبخل قط على رسالته بأى جهد..وحدث ما
    توقعته .. لقد سقط مريضا ..وقدم إلي القاهرة لأصطحبه إلا طبيب كبير , هو أستاذ جامعي يردد الناس اسمه في تقدير واحترام بعد أن تجاوزت شهرته حدود بلادنا..وجلسنا في غرفة الانتظار حتي يأتي دورنا بعد أن دفعنا أجرة الكشف, وكان جنيهين .. وهو مبلغ كبير بالنسبة لهذا الوقت, وبالنسبة لدخل أبي المحدود .. كمعلم .. وبعد وقت طويل دلفنا إلي غرفة الطبيب الكبير , ورمقنا ينظرة خاطفة , ثم تسمرت عيناه علي أبي بعض الوقت , وأقبل عليه فجأة يحييه في أدب ولهفة غامرة , وحسبت ذاك عادة يتبعها مع كل زواره , وخصلة حميدة استطاع أن يكتسبها بالمران .. وقام بفحص أبي واستغرق ذلك طويلا , وأدهشني .. وانتهي من الفحص ليجلس إلينا متحدثا , وألقي علي والدي عشرات الأسئلة , كان الكثير منها شخصياًَ , لا صلة له بالمرض بل لقد سأل عن دراستي .. وظننت أن ذلك مجرد رغبة في معرفة كل شيء , ومجرد استطراد في الحديث .. ثم بدأ يشيرإلي ضرورة بقاء أبي في أحد المستشفيات بعض الوقت , واقترح أن يكون ذلك في مستشفاه الخاص .. وأحسست بأبي يقبل متورطاً , فقد كنا نعلم جيداً أنه لا قبل لنا بنفقات مستشفاه , فضلاً عن الأجر الذي يتقاضاه .. وأمسك الطبيب بورقة وسجل عليها بضعة أسطر وفكرة الاستغلال مع الأسف - تطوف برأسي وتدور في ذهن أبي , وبعد أن انتهي الطبيب من الكتابة أدار لنا ظهره برهة وجيزة , لحظتها لم أهتم لها , ثم التفت إلي أبي وأعطاه الورقة بعد أن ثناها عدة ثنايات فباتت صغيرة الحجم وقال الطبيب :
    عليك أن تحضر هذه الأشياء والملابس , وتحضر بنفسك إلي المستشفي صباح غد .. ومضينا نحو الباب ,

    وهو خلفنا يردد بعض الكلمات المحفوظة , التي لم أحس لها في تلك اللحظة أي معني .. كان يقول : - أهلاً وسهلاً .. وألف سلامة .. شرفتم .. وحصلت البركة .. ويبدو أن أبي تحسس ورقة الطبيب قيل أن نصل إلي الباب ووجدها أضخم مما يتوقع , ففتحها ثم التفت إلي الوراء , وأنا أتبعه والطبيب خلفي يردد كلماته .. وبسط أبي يده بالورقة , فإذا بها تضم ورقتين ماليتين .. إنهما جنيهان .. صوت أبي ارتفع متسائلاً .. والدهشة مرتسمة علي وجهه :- ما هذا يا دكتور ?
    فابتسم الطبيب , وقال في لهجة حانية : - هذه قيمة الكشف يا أستاذ يوسف .. سأله أبي : لماذا ترده ? وملأت الابتسامة الحلوة وجه الرجل , وامتدت يده تحتضن يد أبي , وقال : سوف أكون شاكراً بحق لو قبلتها , وأكون ممتناً لوأنك قبلت الجلوس معي هنا بعض الوقت لأشرح لك الأمر .. وتهدج صوت الطبيب العالمي الكبير ..- لا أحسبك يا أستاذي تذكرني.. أما أنا فلم أنسك يوماً أنا واحد من أبنائك .. تلاميذك في بني سويف .. أنا أعلم أن مواكب التلاميذ بالمئات , بل بالألوف , قد مروا بك , يأخذون من علمك .. وليس من السهل أن تذكرهم , وقد كبروا .. أما هم فإن صورتك لا يمكن أن تبارح ذهنهم .. ولقد عشت أنا شخصياً كل هذه السنين أنتظر لقاءك .. فأنت وراء كل خطوة ناجحة خطوتها في حياتي .. وجلست أنا وأبي صامتين , وصوت الطبيب يزداد تأثراً وعمقاً .. إني أحتفظ هنا في مكتبي بكراسة الإنشاء التي كتبت لي فيها بخط يدك الكريمة النبيلة عبارة فرشت طريق عمري بالنور .. وامتدت يد الطبيب إلي أحد أدراج مكتبه وأخرج كراسة قديمة في غلاف جلدي أنيق وقلب صفحات الكراسة وقدمها إلي أبي , الذي تطلع إلي خطه وكلماته في لهفة .. كانت العبارة التي خطها بقلمه الأحمر تقول : " ليتك تصبح يا بني طبيبا إنساناً كذلك الرجل الذي صورته في موضوعك .. هذا أملي فيك .. هل تحققه ? ... " وتكلم أبي الذي طال صمته , فقال : - الحمد لله .. الحمد لله .. كنت أظن أني أضعت حياتي هدراً .. وتدافعت الكلمات علي شفتي الطبيب : - أنت أضعت حياتك هدراً ? .. لقد صنعت ( حياة ) الأخرين , لقد استطعت أن تبني " البشر " .. أنتم , المعلمين , الصناع الحقيقيون في مصانع الثقافة التي تنتج الأطباء والمهندسين والصحفيين والمحامين وكل الناجحين في الحياة .. أنتم الأساس .. أنتم خلقتم أبطالاً , وزعماء , وقادة , تعيشون جنوداً مجهولين , لكن ثق أن فضلكم في قلوب أبنائكم .. ودمعت عينا أبي وهو يتمتم .. لقد عشت عمري كله "معلماً " , من أجل هذه اللحظة .. إن البعض يظن أن المرتب الذي يتقاضاه المعلم هو مكافأته عن عمله .. لا .. إن مكافأته لحظة كهذه , يتوج فيها عمله , يتوج فيها عمره .
    وعاد والدي يبسط كفه وفيه الورقة , والجنيهان .. وقال : - هذا المبلغ ليس جنيهين , إنما هو أكبر من مليوني جنيه .. إن النور الذي تسرب من عيني مع " الطباشير " والقلم الأحمر , قد عاد اليوم .. إن عافيتي انسابت مع صوتي في حجرات الدرس قد ردت إلي .. وأنت يا عزيزي الطبيب الذي فعلت ذلك .. لقد أحسست أنك وضعتني فوق قمة عالية , أعلي من قمة المجد .. وقام أبي من مكانه وسحب الدموع في عينيه تحجب الطريق إلي الباب , وذراع الطبيب العالمي الكبير تسانده , والصوت الصادق العميق يهتف ..
    أنت شرفتني بحق ..
    ولست في حاجة إلي أن أقول إن الطبيب العالمي الكبير عالج أبي بلا مقابل .. وفي عناية منقطعة النظير .. وشفي أبي , وعاد إلي حجرات الدراسة , يسفح عرقه , ويريق ماء عينيه , ويفرش طريق المستقبل , لأبنائه , بالنور وظل يحتفظ بالجنيهين .. اللذين ردهما إليه الطبيب في علبة أنيقة , ولم ينفقهما قط .. وكان في كثير من الأحيان في أمس الحاجة إليهما , ولكن يده لم تمتد إليهما أبداً .. وكان كلما أرهقته رسالته , وشعر بالتعب , وأحس بالإرهاق يسارع إلي العلبة الصغيرة الأنيقة , يفتحها ويتطلع إلي داخلها في لهفة وامتنان , وكثيراً ما يتحسس الورقتين الماليتين, ويتنهد في ارتياح وهو يغلق العلبة وابتسامة رضا عريضة تطوف بوجهه , فيضيء .. وقد أورثني ابي هذين الجنيهين في العلبة الصغيرة الانيقة .. وأورثني رسالته , ومهنته ........
    اللهم ارحم من مات من معلمينا رحمة واسعة وجازه خير ما جازيت معلما عن طلابه وتقبله في الصالحين وبارك لمعلمينا الأحياء في أعمارهم وأرزاقهم واقدر لهم الخير حيث شاء اللهم آمين .
    وإلي لقاء آخر مع سلسلة ( المعلم وصناعة الحياة ) إن شاء الله .



    مع تحياتي
    اشرف الجمل
    المدير الفني للمجموعة العالمية للجودة والتنمية الانسانية
    01007287867
    التعديل الأخير تم بواسطة اشرف الجمل ; 26-12-2011 الساعة 09:58 PM

المواضيع المتشابهه

  1. المعلم المعلم اختار خلاص
    بواسطة علاء محمد السعيد هلال في المنتدى أخبار مؤسسات التعليم قبل الجامعي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-05-2012, 02:15 AM
  2. علمتني الحياة
    بواسطة الموافي الإمام في المنتدى المعلم وشئونه
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-05-2012, 12:58 AM
  3. سنة الحياة
    بواسطة خديجة البنديرى في المنتدى تجارب الأعضاء
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14-05-2012, 04:41 PM
  4. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-10-2011, 12:21 PM
  5. ضغوط الحياة واثرها على المعلم
    بواسطة نادر الليمونى في المنتدى المعلم وشئونه
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-01-2011, 10:35 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
مُنتديَات الجَودة العَرَبيّة
أكاديمية الجودة تعود إليكم في شكل جديد وإسم جديد
منتديات الجودة العربية - www.arquality.com - ملتقى خبراء الجودة في الوطن العربي
إنضم إلينا