النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تربية القلب أساس التعليم في اليابان

  1. #1
    عضو مميز
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    سوهاج - مصر
    المشاركات
    149

    Post تربية القلب أساس التعليم في اليابان

    تربية القلب أساس التعليم في اليابان

    بقلم : د‏.‏أحمد نبوي
    دكتوراة في الاقتصاد والعلوم السياسية ـ اليابان
    ***********
    يتميز المجتمع الياباني بوجود عاطفة إيجابية قوية نحو التعليم‏,‏ حيث يولي أولياء الأمور أهمية كبيرة لتنمية الملكات العقلية والفكرية لأبنائهم‏,‏ ولا تعتمد تلك العاطفة الجياشة نحو التعليم علي الحسابات الاقتصادية الضيقة‏,‏ بل تتجاوز ذلك لتؤكد أن التعليم في المجتمع الياباني يكاد يحتل نفس المنزلة التي تحتلها الأديان في المجتمعات الأخري‏.‏ ولا يعتبر هذا الشغف بالتعليم ظاهرة زمنية حديثة‏,‏ حيث كان‏40%‏ و‏15%‏ من الذكور والإناث مقيدين بالمدارس الابتدائية في اليابان في الفترة من‏1850‏ حتي‏1859,‏ وهي معدلات لا تقل عن مثيلاتها في الدول الأوروبية المتقدمة آنذاك‏.‏

    وليست هذه العاطفة المتدفقة نحو التعليم هي الخاصية الوحيدة التي تميز النظام التعليمي الياباني عن غيره من النظم التعليمية‏,‏ فالملمح الثاني الذي يميز التعليم الياباني هو تأكيد أهمية بناء الشخصية والتركيز علي تعزيز وتنمية الجوانب الأخلاقية والقيمية لدي المتعلم‏,‏ وهو ما يطلق عليه تربية القلب‏.‏

    وتربية القلب كمصطلح له مدلولات كثيرة من أبرزها‏:‏ تربية القلب والعقل والروح‏,‏ وتنمية الأخلاق وغرس الاتجاهات‏,‏ وبناء النسق القيمي‏.‏ فالتربية ليست مجرد اكتساب للمعارف والمهارات فقط‏,‏ ولكنها تتجاوز ذلك لتشمل جانبا خلقيا يحتل مكانة سامية لدي كل من أولياء الأمور والتلاميذ علي حد سواء‏.‏ ولما كان لهذا الركن القيمي تلك المنزلة السامقة‏,‏ لم يكن من المستغرب أن تؤكد المادة الأولي من القانون الأساسي للتعليم في اليابان أهمية غرس الأخلاق والقيم كهدف رئيسي للنظام التعليمي‏,‏ حيث تؤكد تلك المادة أن الهدف من التربية هو تنمية الشخصية المتكاملة لجميع الأفراد‏,‏ ورعاية المواطنين الذين ـ هم كبناة لأمة مسالمة ـ سوف يقدرون قيم الحق والعدل‏,‏ ويحترمون قيمة الانسان‏,‏ ويثمنون قيم العمل الجاد وتحمل المسئولية‏,‏ والذين يتمتعون بعقول مستقلة‏,‏ ويتصفون بالصحة البدنية والعقلية‏.‏

    وعلي الرغم من تأكيد تلك الفقرة أهمية السلام والعدل والعمل الجاد‏,‏ إلا أن ما يثير الاحترام والتقدير ليس ما هو مكتوب‏,‏ ولكن ما هو مسكوت عنه تربية القلب‏.‏ إن مفهوم التربية في الدول الأوروبية يختلف عن مثيله في اليابان‏,‏ حيث يركز مفهوم التربية علي تربية وبناء الشخصية‏,‏ أما نقل المعارف والمهارات فيطلق عليه اسم التدريب في الفكر التربوي الياباني‏.‏ ومن المثير للدهشة أن المكانة التي تحظي بها بناء الشخصية المتكاملة في الفكر التربوي الياباني تفوق بمراحل مكانة التدريب ونقل المهارات والمعارف‏.‏ ونظرا لتلك المكانة السامية لبناء الشخصية‏,‏ فإن مؤسسات التدريب المهني في اليابان تستبعد مما يمكن أن يطلق عليه التربية‏.‏

    أما الملمح الثالث المميز للنظام التعليمي في اليابان فهو التأكيد الملح علي مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية‏,‏ حيث تعتبر اليابان في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بلا مراء واحدة من أكثر الدول مساواة في جميع أنحاء العالم‏.‏

    ويرتبط مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية بالهدف الرئيسي للتربية في تلك الدولة بصورة تدعو إلي الاعجاب والإكبار‏.‏ فعلي الرغم من إدراك التربويين اليابانيين لوجود اختلافات في القدرات العقلية بين البشر‏,‏ إلا أنهم ينظرون إلي تلك التباينات نظرة جد مختلفة‏,‏ فهم وإن كانوا يتقبلون وجود اختلافات في المهارات والمعارف تتمثل في وجود مستويات ومراحل مختلفة من التدريب والامتحانات‏,‏ إلا أنهم لا يتقبلون مطلقا فكرة وجود اختلافات في بناء الشخصية بين الأفراد‏,‏ وعلي هذا يحصل جميع التلاميذ علي نفس الموروث القيمي والبناء الأخلاقي‏,‏ بصرف النظر عن قدراتهم العقلية‏.‏ ولهذا فإن هناك مقاومة شديدة في الفكر التربوي الياباني لأي محاولة لتصنيف البشر وفقا لقدراتهم العقلية‏,‏ فكما أن البشر متساوون أمام الله‏,‏ فإن بناء الشخصية المتكاملة المعتمدة علي القيم والأخلاق لا تختلف بين تلميذ وآخر في المجتمع الياباني‏.‏ ولهذا فكما سبق وأن ذكرت‏,‏ فإن التربية تعتبر بمثابة الدين المهيمن علي مظاهر الحياة في المدرسة اليابانية‏.‏

    ولعل من أبرز البصمات اليابانية علي مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية‏,‏ هو مفهوم تكافؤ الدخل‏,‏ حيث لا توجد اختلافات صارخة في مستوي دخل الفرد علي الرغم من اختلاف المستويات التعليمية‏,‏ حيث يؤكد الفكر التربوي الياباني تحقيق أكبر قدر من المساواة في الدخل لجميع الأفراد بصرف النظر عن مستوياتهم التعليمية بصورة تضمن حياة كريمة لجميع الأفراد‏.‏ ولضمان تنفيذ مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية وفقا للتصور الياباني فإن هناك رقابة صارمة من وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا علي السلطات التعليمية المحلية‏,‏ وتهدف تلك الرقابة الصارمة من السلطات المركزية إلي ضمان تطبيق مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية في جميع المدارس اليابانية بصرف النظر عن الاختلافات الجغرافية والتباينات في الدخل‏.‏

    ونظرا لتلك النظرة المتميزة لمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية تواجه التربية اليابانية عدة تحديات لعل من أبرزها تحدي التنميط والجمود‏.‏ صحيح أن ذلك الفهم قد أدي إلي اختفاء التفاوتات الطبقية الحادة خلال المائة وثلاثين عاما الماضية‏,‏ كما ساعد علي تحقيق المساواة الاجتماعية‏,‏ إلا أن حصول كل طفل في اليابان علي تعليم متميز من الطبقة الأولي لم يخل من مواجهة بعض التحديات‏.‏ فعلي الجانب الإيجابي أدي ذلك إلي رفع المستوي الفكري للدولة ككل‏,‏ أما علي الجانب السلبي فقد كانت هناك مشكلة التنميط المفرط الناتج عن التطبيق الصارم لمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية‏.‏ كما أدي ذلك إلي صعوبة أخري هي كيفية الفرز والانتقاء من بين فيضان القيم والمهارات والمعارف التي يجب أن يتعلمها جميع التلاميذ‏,‏ وكيفية توزيع الوزن النسبي لكل مجال معرفي في المناهج الدراسية خاصة في ظل التطور المعرفي والنمو التكنولوجي المتسارع‏.‏ وفي خضم ذلك السياق برز تحد ثالث هو كيفية احترام الفردية لدي كل طفل‏.‏ إن التركيز علي المدخلات الموحدة يؤدي بالضرورة إلي مخرجات موحدة‏,‏ فكيف إذن يمكن استيعاب قيمة احترام الفردية بصورة لا تؤدي إلي اختلافات مخرجات العملية التربوية؟ ولهذا
    فإن علي النظام التربوي في اليابان أن يواجه تحديات الانتقال من التنميط إلي التنوع‏,‏ ومن الجمود إلي المرونة‏.‏ وهو أمر ليس باليسير‏.‏ إن تحديات ضمان تحقيق أعلي مستوي من الجودة التعليمية‏,‏ وضمان المساواة في الدخل‏,‏ وضمان الاحترام الكامل لتفرد جميع الأطفال تمثل ثلاثة أهداف تربوية متداخلة ومتشابكة ليس باليسير تحقيقها‏.‏ وهذه هي إحدي الاشكاليات المهمة التي يسعي الفكر التربوي الياباني إلي تجاوزها‏

    رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

    دمتم لنقاء و دامت نقاء لنا

  2. #2
    عضو فعال
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    القاهرة
    المشاركات
    355
    رزقك الله الخير في الدنيا والاخرة ..اللهم آمين

    وجزاك الله خيراً

    الخدمة الجيدة ..تحتاج الى التسويق الاجود

    مع خالص تقديرى لشخصكم الكريم
    ابوبكر احمد العملة
    عضو فريق مجتمع المعرفة المصرى
    ليس للعلم وطن ...
    ولا للحكمة دار ...
    بل العاقل من له على كل ارض مدرسة ...
    وعلى كل طريق استاذ...



المواضيع المتشابهه

  1. ماذا تعرف عن التعليم في اليابان ؟؟
    بواسطة الموافي الإمام في المنتدى الجودة حول العالم
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-01-2012, 12:21 PM
  2. التدريب أساس جودة التعليم
    بواسطة فاطمة الزهراء سالم في المنتدى قضايا تعليمية بين الطرح والحل
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 20-01-2012, 01:59 AM
  3. ملامح وأسرار التعليم في اليابان
    بواسطة عماد عبد الوهاب عبد العال في المنتدى الجودة حول العالم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-01-2011, 07:28 PM
  4. التعليم في اليابان
    بواسطة عماد عبد الوهاب عبد العال في المنتدى الجودة حول العالم
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-01-2011, 07:27 PM
  5. ملامح التعليم في اليابان
    بواسطة محمد صلاح في المنتدى الجودة حول العالم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-01-2011, 08:24 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
مُنتديَات الجَودة العَرَبيّة
أكاديمية الجودة تعود إليكم في شكل جديد وإسم جديد
منتديات الجودة العربية - www.arquality.com - ملتقى خبراء الجودة في الوطن العربي
إنضم إلينا