التخطيط لمستقبل جودة التعليم الحلقة 17
الكتاب المدرسى، والكتاب الجامعى (6)
عزيزى القارئ ، وعزيزتى القارئة دعونا نبدأ من حيث انتهت سطورنا فى الحلقة السابقة . توقفنا عند الكتاب الجامعى بسؤال جد مهم ألا، وهو ما الذى يعيب الكتاب الجامعى داخل بعض الجامعات ؟
يعانى الكتاب الجامعى داخل الكثير من الجامعات فى مجتمعاتنا العربية ، لاسيما المجتمع المصرى من الكثير من المثالب التى تعوقه بشكله الحالى عن تكوين مواطن المستقبل الذى ننشده .
ومن أهم مثالب الكتاب الجامعى داخل الكثير من الجامعات :-

-القصور فى التخطيط المسبق لشكل ، ومضمون الكتاب الجامعى
فلكى نقر كتاباً جامعياً على مستوى عالٍ من الجودة شكلاً ،ومضموناً، ويحقق نواتج التعلم المستهدفة من الضرورى أن يتم الإعداد المسبق له ، ووضع خطة زمنية ، وخطط مرحلية تتضمن عمليات كثيرة بدءاً من جلسات عصف ذهنى حول قضايا الكتاب ، وموضوعاته ، وكذلك توزيع المهام ،والمسئوليات ، ثم البدء فى وضع معايير للتأليف تتفق ،ونواتج التعلم المنشودة ، ثم القيام بجلسات عصف ذهنى ثانية لتقييم ما تم تأليفه ، ومراجعته من خلال تشكيل لجنة مراجعة محايدة تتسم بالموضوعية من أجل الإثراء ، والإضافة ، ويتم وضع خطة تقييم نهائى للكتاب بعد الموافقة على موضوعاته ، وشكله النهائى من قبل المجلس الأعلى للجامعات ، ثم يتم إقراره على الطالب الجامعى فى مرحلة جامعية معينة ، وفقاً للفئة المستهدفة من وضع الكتاب .على ألا تستغرق سنوات إقرار الكتاب أكثر من ثلاث سنوات بعدها يتم ، التخطيط لتأليف كتاب جامعى جديد .
ومن ثم فالكتاب الجامعى ليس مجرد مجموعة من الموضوعات مجمعة ليس لها علاقة بعضها البعض توضع بين دفتى كتاب ، وانتهى الأمر .

الأمر بحاجة إلى سنة إعداد على الأقل لتأليف كتاب جامعى يضم نخبة من أساتذة الجامعة ، وليس فرداً يستأثر بفرض كتابه الجامعى على الطلاب للتربح فحسب .
-الاعتماد الكلى على الكتاب الجامعى فى إعداد الطالب الجامعى .
على الرغم من مرحلة الإعداد المسبق للكتاب الجامعى ، فكرة الاعتماد الكلى على الكتاب الجامعى فى تكوين مواطن ، فكرة مستحيلة . وللأسف الشديد ذهنية الكثير من طلاب االجامعة تتوقف عند مرحلة الحفظ ، والاسترجاع كما يتم فى مرحلة التعليم المدرسى ، لأنهم دوماً ارتبط الأمر لديهم بوجود كتاب فى أيديهم للاستسهال ، والكسل ، وعدم البحث عن المعرفة ،والتعلم الذاتى . هذا الأمر ينعكس على مستقبل الطالب المهنى لأنه فى محيط عمله يدرك أن كل شئ أمره سهل ، وأن سياسة الحلول الجاهزة أفضل من مشقة البحث فى التفكير والعناء لحل المشكلات، وطرح البدائل .
من هنا فالأمر فى غاية الخطورة لأن المجتمع يريد مبدعين ، ومكتشفين ، ومخترعين، وكل ذلك لا يوفره الكتاب الجامعى وحده .
-المبالغة فى تسعير الكتاب الجامعى .
إذا قد تمت الموافقة على وجود كتاب جامعى داخل الجامعة مع تحفظ شديد من أجل مساعدة الطالب ، ولكى يعرف من أين يبدأ ، لكن الكثير من الجامعات ، والكليات العملية ، والنظرية تبالغ فى وضع أسعار مبالغ فيها لقيمة الكتاب الجامعى ، وتفسيرهم لذلك حق الملكية الفكرية ، والتأليف ، ومع ذلك تجبر الطلاب على شرائه، وتربط ذلك بعمليات التقييم النهائى للطالب .
هذا الأمر ُمحال مع وجود عصر المعرفة، والمعلوماتية ، لأن الطلاب إذا كان الهدف هو المعلومة، والمعرفة ، سيجدونها عبر الإنترنت ، وُيَحملون ألوف الكتب الأصلية فى الموضوع المدروس بالمجان ، ومن ثم فهم ليسوا بحاجة للمعلومة بقدر ما هم بحاجة لتعلم مهارات البحث ،وا لاكتشاف ، والإبداع فى مجال الدراسة ، وهذه مهمة أعضاء هيئة التدريس فى الحقبة المعاصرة .
-قدامة الكتاب الجامعى
كثير من الجامعات لازالت تقرر نفس الكتاب الجامعى الذى قد درسه الأساتذه منذ عشرات السنين ، والسبب هو القصور فى مواكبة قضايا العصر ، وربط المقرر الجامعى بالحياة المجتمعية ، وعصر المعرفة ، ومن ثم يتم إعادة إنتاج نفس التفكير ، وتجد إخفاق الكثير من الطلاب المبدعين فى التقويم النهائى لأن ما يدروسونه لا يتحدى عقولهم، ولا يرتبط بروح العصر ، ولا يجدون فيه شيئاً جديداً إلا تاريخ للعلم ، على الرغم من تغير الكثير من النظريات العلمية التى يدرسونها . قد ينبع هذا من القصور فى التأليف أو رغبة الكثير من أعضاء هيئة التدريس فى الاحتفاظ بأسمائهم على الكتاب الجامعى دون تنقيح أو تغيير وفقاً لمستجدات العصر .
ضعف الرقابة والمتابعة المستمرة على الكتاب الجامعى .
منذ أن يتم وضع الكتاب الجامعى ، تقل الرقابة على الكتاب الجامعى ، والمحاسبية ، واستطلاع رأى الطلاب عن المؤلف الذى يدرسونه ، هذا مع دخول مسألة الجودة ، والمحاسبية على التأليف للكتاب الجامعى ، من حيث الجدة، والحداثة ومستوى التأليف ، ودرجة ارتباطه بالمجال . إلا أن الأمر لازال يتحكم فيه الكثير من أعضاء هيئة التدريس الذين يرون فى تغيير ما كتبوه منذ سنوات طويلة إقلالاً من شأنهم ، أو تقليلاً من علمهم ، ومعرفتهم . وللأسف الضحية هو الطالب الجامعى نتيجة المجاملات الجامعية التى تحدث .
أحسب أن تلك المثالب ليست صعبة التجاوز أو علاجها ليس بالمستحيل ، وإنما هى بحاجة إلى وضع المواطن الذى نقوم بتشكيله نصب أعيننا ، ونرى أنه هو قائد عمليات التنمية فى المستقبل ، وأن تكوينه مسئوليتنا كأساتذة جامعة نحمل أمانة الكلمة، والفعل ،والتصرف ، والمحاسبية من أجل تكوين مواطن المستقبل .
إنشاء الله فى الحلقة القادمة سنتواصل مع الكتاب الجامعى من زاوية أخرى بإذن الله .