احتلت دولة قطر هذا العام المركز الأول عربياً والتاسع عالمياً في مؤشر جودة التعليم الأساسي، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنوياً، متقدمة على دولة الإمارات، التي كانت تحتل هذا المركز العام الماضي.

احتلت قطر المرتبة التاسعة عالمياً في جودة التعليم من بين 142 دولة



ويتمتع التعليم الأساسي في قطر، المؤلف من مراحل التعليم الابتدائية (ست سنوات)، والإعدادية (ثلاث سنوات)، والثانوية (ثلاث سنوات)، بنظام تعليمي فريد، يقوم على فكرة "المدارس المستقلة"، منذ عقد ونصف تقريباً، وهو ما شكل جزءاً من إصلاحات جذرية أجراها أمير البلاد السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.


وبحسب تقرير مؤشر التعليم الأساسي لعام 2014 – 2015، احتلت قطر المرتبة التاسعة عالمياً، من بين 142 دولة مشمولة بالتقرير، بمعدل 5.7، في الوقت الذي جاءت فيه دولة الإمارات في المركز 13 عالمياً بمعدل جودة وصل إلى 5.4.


التقدم الذي أحرزته قطر في مجال التعليم الأساسي، واحتلت بموجبه مراكز متقدمة جداً على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم، يحيل على طبيعة النظام التعليمي الذي أقر في البلاد اعتباراً من عام 2001.


- توصيات معهد راند


وبحسب دراسة لمركز الجزيرة للدراسات، فقد ظهر التعليم النظامي لأول مرة في قطر عام 1952 عندما أنشأت الحكومة أول مدرسة ابتدائية للبنين. وفي سنة 1957 تم وضع أول النظم وأُنشئت وزارة التعليم.


إلا أن الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، منذ وصوله إلى العرش، لاحظ أن النظام التربوي محدود الفاعلية، نظراً لطغيان طابع المركزية على وزارة التعليم التي تهيمن على التعليم العام والخاص.


ونظراً لذلك، اعتمد منذ عام 1995 وبشكل أوسع منذ عام 2001 إصلاحات حكومية عميقة تركزت على تحسين نوعية ومحتوى التعليم في الدولة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية، وقام بإدخال إصلاحات على التعليمين الابتدائي والثانوي عام 2001.


وجاءت تلك الإصلاحات بناء على توصيات معهد راند الشهير، بعدما لجأ أمير قطر إليه عام 2001، ليقدم الخيارات الممكنة لتحديث النظام التعليمي في هذه الدولة الخليجية الناهضة.


من بين الخيارات المقترحة فضّل الأمير أخيراً سياسة تعليمية قائمة على إنشاء "مدارس مستقلة" مع لا مركزية واسعة للنظام.


وبحسب النظام التعليمي القائم، فإن "المدارس المستقلة" يقوم بإنشائها وتسييرها مواطنون مستقلون لا يتبعون للقطاع العام، بعد أن يحصلوا على الترخيص، وعليه تتمتع هذه المدارس باستقلالية واسعة في الإدارة والبرامج والاكتتاب، لكن تمويلها من الدولة، أي من القطاع العام، كما أنها تلتزم بمعايير وأنظمة المجلس الأعلى للتعليم الذي أنشئ خصوصاً لمتابعة هذا النوع من المدارس.


وقد كشف تقرير معهد راند عام 2001 عن وجود نظام شديد المركزية يعاني من نقص في القيادة، وذلك من خلال تقييم السياسات وتطبيقاتها. وكانت عمليات التواصل بشأن الأهداف التربوية غير متطورة كثيراً، كما كان التعليم متركزاً على المعارف الخام لا على تنمية المهارات القابلة للتحويل والتفكير النقدي.


- سيناريوات ممكنة


واقترح المعهد عدة سيناريوات ممكنة، كانت تجمع بينها أربع خصائص: استقلالية النظام (التحول إلى نظام لا مركزي تكون فيه صناعة القرار قريبة قدر الإمكان من حاجات التلاميذ)، والمسؤولية (إنشاء مدارس جديدة "مستقلة" يربطها اتفاق تعاقدي بالوزارة ويجري تقييمها بانتظام)، والتنوع (يتم توسيع خيارات التمدرس لتستجيب لحاجات التلاميذ)، والاختيار (يمكن لآباء التلاميذ الاختيار بين المدارس).


وفي توصيات أخرى، ركّز معهد راند على ضرورة القيام باختبارات دراسية منتظمة، وزيادة أجور المدرسين والإداريين (على أساس تقييمات المؤسسات التعليمية). وبعد نجاح نسبي في التجربة القطرية، اقتفت دول خليجية أخرى أثر قطر.


وتتفق الإصلاحات الكبرى التي شهدتها سياسة التعليم في قطر مع أهداف الدولة المعلنة، ورؤيتها الوطنية لعام 2030، المتمثلة بالتحضير لفترة ما بعد النفط، وإنشاء بنية أكاديمية وصناعية ملائمة لتنمية اقتصاد المعرفة؛ والتمكن من تفعيل سياسة "تقطير" الفرق والكفاءات، بما يؤدي إلى استبدال اليد العاملة الأجنبية باليد العاملة الوطنية.


وأنفقت قطر على التعليم ميزانيات ضخمة، بلغت عام 2005 نحو 20% من إجمالي نفقاتها لذلك العام، وهي نسبة تفوق معدل الإنفاق على التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة ذاتها، وتزيد كذلك على المعدل العالمي في هذا المجال.


- إصلاحات طموحة


وتعتبر الإصلاحات التي اعتمدتها قطر أكثر من مثيلاتها العربية طموحاً واكتمالاً، وفقاً لتقرير أعد عام 2009 عن التقدم المحرز، وبالنظر إلى المقارنة بين نسبة التمدرس في التعليم الابتدائي بالدولة الخليجية عام 2010 وبين المعدل العالمي، أما النسبة الخاصة بالتمدرس الثانوي فهي أعلى بوضوح من المعدل العالمي.


وتعتبر قطر إحدى الدول العربية القليلة التي تتساوى فيها تقريباً نسبة الأمية بين الرجال والنساء.


وفي عام 2010، كان في قطر 437 مدرسة يرتادها 157 ألفاً و871 طالباً. وفضلاً عن المدارس العمومية والمدارس المستقلة، توجد في قطر شبكة من المدارس العربية الخاصة ومدارس أخرى خاصة دولية وأجنبية، بحسب دراسة مركز الجزيرة.


وقد زاد عدد مجمل التلاميذ في التعليمين الابتدائي والثانوي بنسبة 6.4% بين عامي 2005 و2010، في حين زاد عدد التعليم الخاص بـ8.8% بين 2005 و2010.


- تحديات


ورغم ما أُحرز من تقدم كبير فهناك تحديات كثيرة؛ فعدد سكان قطر يواصل الازدياد بوتيرة عالية (2.5% بين عامي 2011 و2013)، في حين سيتواصل ارتفاع نسبة السكان الوافدين إلى غاية 2020. وتؤدي هذه العوامل إضافة لارتفاع مستوى المعيشة إلى زيادة الطلب لتوفير تعليم جيد في قطر.


وتمثل زيادة أعداد الطلاب تحدياً لأن شح المدرسين المختصين لا يسمح بمواكبة تلك الزيادة؛ ولهذا يعتبر اكتتاب وتكوين مدرسين بنوعية جيدة وبعدد كاف تحدياً حقيقياً في مهنة تهيمن عليها النساء.


كما أن النسبة الخاصة بالتمدرس في التعليم العالي بالإمارة ما تزال أقل من المعدل العالمي، وهو ما قد يمثل مشاكل لسوق العمل نظراً لوجود تباين بين الاختصاصات التي يحصل عليها المتخرجون وتلك التي يتطلبها سوق العمل.

نقلا عن الخليج أونلاين