المتماثلين والمتقاربين والمتجانسين والمتباعدين
إذا التقى الحرفان خطا سواء التقيا لفظا أم لا فإما أن يكونا متماثلين، أو متقاربين، أو متجانسين، أو متباعدين.
هذا، ودخل بقولنا: "خطا" نحو: إِنَّهُ هُوَ لالتقاء الهاءين خطا فيعتبر من المتماثلين، وإن فصل بين الحرفين بالواو لفظا، لأجل صلة هاء الضمير.
وخرج نحو: أَنَا نَذِيرٌ لعدم التقاء النونين خطا، فلا يعتبر من المتماثلين وإن التقى الحرفان لفظا، فالمعتبر هو الالتقاء في الخط.
ولنشرع في بيان كل من المتماثلين، والمتقاربين، والمتجانسين، والمتباعدين تفصيلا فنقول:
المتماثلان:
هما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا وصفة كالباءين، واللامين مثل: اذْهَب بِّكِتَابِي فَقَالَ لَهُمُ
والمتقاربان:
هما الحرفان اللذان تقاربا مخرجا وصفة، أو مخرجا فقط، أو صفة فقط. فالتقارب ثلاثة أقسام:
1. تقارب في المخرج والصفة معا:
مثل: وَقُل رَّبِّ فبين اللام والراء تقارب في المخرج كما هو ظاهر، وتقارب في الصفة؛ لاتفاقهما في أكثر الصفات، فالتقارب في الصفة معناه أن يتفق الحرفان في أغلب الصفات.
2. تقارب في المخرج فقط:
مثل: قَدْ سَمِعَ فبين الدال والسين تقارب في المخرج كما علمت في باب المخارج، ولا تقارب بينهما صفة، لاختلافهما في أكثر الصفات.
3. تقارب في الصفة فقط:
مثل: بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فالتاء والشين متقاربان صفة لاتفاقهما في أغلب الصفات، ولا تقارب بينهما مخرجا، لخروج التاء من طرف اللسان، والشين من وسطه كما تقدم.
والمتجانسان:
هما الحرفان اللذان تجانسا -أي اتحدا- مخرجا، واختلفا صفة أو تجانسا صفة، واختلفا مخرجا. فالتجانس قسمان:
1.تجانس في المخرج فقط:
مثل: قَد تَّبَيَّنَ فبين الدال والتاء تجانس في المخرج، فهما يخرجان من طرف اللسان ومن الثنيتين العلييين كما عرفت.
2.تجانس في الصفة فقط:
مثل: قَدْ جَعَلَ فبين الدال والجيم تجانس في الصفة؛ لاتحادهما في كل الصفات.
فالتجانس في الصفة معناه: أن يتحد الحرفان في جميع الصفات.
والمتباعدان:
هما الحرفان اللذان تباعدا مخرجا، واختلفا صفة، مثل: تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ فبين التاء والعين تباعد في المخرج.
فهذه سبعة أقسام، وهي: المتماثلان، والمتقاربان مخرجا وصفة، والمتقاربان مخرجا فقط، والمتقاربان صفة فقط، والمتجانسان مخرجا لا صفة، والمتجانسان صفة لا مخرجا، والمتباعدان.
فإذا تحرك الحرفان في كل قسم منها سمي كبيرا، وإذا سكن الأول سمي صغيرا، وإذا سكن الثاني سمي مطلقا، وبذلك يكون لاجتماع الحرفين خطا واحد وعشرون قسما.
قال صاحب لآلئ البيان:
إن يجــتمعْ حرفــان خطـا قُسِّـمَا
عشــرين قِسْــمًا بعـد واحـدٍ نمـا
فمتمــــــاثلان إن يتحـــــدا
فــي مخــرجٍ وصفــةٍ كمـا بـدا
ومتقاربـــان حـــيثُ فيهمـــا
تقــاربٌ, أو كــان فــي أيِّهِمـــا
ومتجانســـــان إن تطابقـــــا
فـي مخـرج, أو فــي الصفـات اتفقا
ومتبـــاعدان حـــيثُ مخرجــا
تبـاعدا, والخــلفُ فـي الصفـات جَا
وحيثمــا تحــرَّك الحرفــان فـي
كـــلٍّ فَسَــمِّ بــالكبير واقْتَـــفِ
وســمِّ بــالصغير حيثُمــا سـكن
أولُهــا, ومطلـقٌ فـي العَكْـسِ عـن
حكم المتماثلين:
1. الصغير: حكمه الإدغام وجوبا للجميع، مثل: وَقَد دَّخَلُوا اذْهَب بِّكِتَابِي إلا إذا كان الأول حرف مد، أو هاء سكت.
فإذا كان الحرف الأول من المتماثلين حرف مد نحو: آمَنُوا وَعَمِلُوا فِي يَوْمٍ فلا بد من إظهاره للجميع، لئلا يزول المد بالإدغام.
وإذا كان الأول منهما هاء سكت، وذلك في قوله تعالى: مَالِيَهْ * هَلَكَ بسورة الحاقة، ففيه الإظهار والإدغام، والإظهار أرجح، وكيفيته أن يسكت على هاء "ماليه" سكتة يسيرة من غير تنفس.
فمن أظهر مع السكت لاحظ أن المثل الأول هاء سكت، فالوقف عليها منوي، ومن أدغم فقد أجرى الوصل مجرى الوقف، واعتبرها كالحرف الأصلي.
2. الكبير: حكمه الإظهار لغير السوسي ومثاله:
فِيهِ هُدًى الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
3. المطلق: حكمه الإظهار للجميع، ومثاله: شَقَقْنَا
حكم المتقاربين:
1. الصغير: حكمه الإظهار، ومثاله: قَدْ سَمِعَ
ويستثنى من ذلك اللام والقاف.
أما اللام فإنها تدغم في الراء مثل: وَقُل رَّبِّ بَل رَّبُّكُمْ
وأما القاف فإنها تدغم في الكاف، وذلك في قوله تعالى: أَلَمْ نَخْلُقكُّمْ بالمرسلات.
بيد أنهم اختلفوا في هذا الإدغام، فبعضهم أدغم القاف في الكاف إدغاما كاملا فيصير النطق كافا مشددة، وبعضهم أدغمها إدغاما ناقصا وذلك بإبقاء صفة الاستعلاء، والأول هو الأصح.
فالإدغام الكامل: هو ما ذهب معه لفظ المدغم وصفته.
والناقص: هو ما ذهب معه لفظ المدغم وبقيت صفته.
قال صاحب اللآلئ:
وقــافُ نخــلقكم بكافِــه ادُّغِــمْ
مـعْ وصْـفِ عُلْـوٍ, والأصـحُّ أن يَتِم
2. الكبير: حكمة الإظهار لغير السوسي، ومثاله: عَدَدَ سِنِينَ
3. المطلق: حكمه الإظهار للجميع، ومثاله: سِدْرَةِ
حكم المتجانسين:
1. الصغير: حكمه الإظهار، مثل: قَدْ جَعَلَ
ويستثنى من ذلك:
الدال: فإنها تدغم في التاء مثل: قَد تَّبَيَّنَ
والذال: فإنها تدغم في الظاء مثل: إِذ ظَّلَمُوا
والثاء: فإنها تدغم في الذال في يَلْهَث ذَّلِكَ بالأعراف.
والباء: فإنها تدغم في الميم في ارْكَب مَّعَنَا بهود.
والتاء: فإنها تدغم في الدال مثل: أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا
وفي الطاء مثل: فَآمَنَت طَّائِفَةٌ
هذا وتدغم الطاء في التاء إدغاما ناقصا، وذلك بإبقاء صفة الإطباق: مثل: بَسَطتَ أَحَطتُ فَرَّطتُ
2. الكبير: حكمه الإظهار لغير السوسي، ومثاله: الصَّالِحَاتِ طُوبَى
3. المطلق: حكمه الإظهار للجميع، ومثاله: أَفَتَطْمَعُونَ
حكم المتباعدين: حكمه الإظهار مطلقا، سواء في ذلك الصغير، والكبير، والمطلق.
كيفية الوقف على أواخر الكلم
أنواع الوقف على أواخر الكلم:
أنواع الوقف ثلاثة:
الأول: الإسكان المحض:
لأن العرب لا يبتدئون بساكن، ولا يقفون على متحرك بالحركة، وإنما كان السكون أصلا في الوقف؛ لأنه لما كان الغرض من الوقف الاستراحة، والسكون أخف من الحركات كلها، وأبلغ في تحصيل الراحة، صار أصلا بهذا الاعتبار.
الثاني: الروم:
وهو الإتيان ببعض الحركة حتى يذهب معظم صوتها، فيسمع لها صوت خفي، يسمعه القريب المصغي دون البعيد؛ لأنها غير تامة.
الثالث: الإشمام:
وهو ضم الشفتين بعيد سكون الحرف كهيئتهما عند النطق بالضمة، وهو إشارة إلى الضم، ومن ثَم فلا يدركه إلا البصير.
وفائدة الروم والإشمام: بيان الحركة الأصلية التي ثبتت في الوصل للحرف الموقوف عليه.
وهناك أنواع أخرى للإشمام غير إشمام الوقف لا حاجة لذكرها، ولكنا نذكر منها نوعا ورد في لفظ "تأمنا" في قوله تعالى: مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ فأصل الكلمة "تأمننا" بنونين، أدغمت الأولى في الثانية للجميع.
ويجوز فيها وجهان:
1. الإشمام: وهو عين الإشمام المتقدم في الوقف، إلا أنه هنا مقارن لسكون الحرف المدغم، وفي الوقف بعيد السكون.
والإشمام هنا للإشارة إلى حركة الفعل، وهي الضمة، فالإدغام مع الإشمام صريح.
2. الروم: فيمتنع معه الإدغام الصحيح؛ لأن الحركة لا تسكن رأسا، بل يضعف صوتها، وبعضهم يعبر عن الروم بالإخفاء.
ما يجوز فيه الروم والإشمام، أو الروم، وما لا يجوز:
ينقسم الموقوف عليه إلى ثلاثة أقسام:
1. ما يوقف عليه بالأنواع الثلاثة المتقدمة، وهي: السكون، والروم، والإشمام، وهو ما كان متحركا بالرفع أو الضم مثل نَسْتَعِينُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ .
2. ما يوقف عليه بالسكون والروم فقط ولا يجوز فيه الإشمام، وهو ما كان متحركا بالخفض أو الكسر مثل: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَؤُلاءِ .
3. ما يوقف عليه بالسكون فقط ولا يجوز فيه الروم والإشمام، وذلك في المواضع الآتية:
أ. المنصوب والمفتوح نحو: الْمُسْتَقِيمَ لا رَيْبَ فلا يجوز الروم
فيهما لخفة الفتحة وسرعتها في النطق، فلا تكاد تخرج إلا كاملة، ولا الإشمام؛ لأنه إشارة إلى الضم.
ب. هاء التأنيث الموقوف عليها بالهاء مثل: الْجَنَّةَ إذ المراد من الروم والإشمام بيان حركة الموقوف عليه حالة الوصل، ولم يكن على الهاء حركة حالة الوصل؛ لأنها مبدلة من التاء، والتاء معدومة في الوقف.
ج .ما كان ساكنا في الوصل مثل: فَلا تَنْهَرْ ومنه ميم الجمع، فلا يجوز فيه الروم والإشمام؛ لأنهما إنما يكونان في المتحرك دون الساكن.
د. ما كان متحركا في الوصل بحركة عارضة مثل: وَأَنْذِرِ النَّاسَ وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ ؛ لأن الحركة عرضت للراء، والواو للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثل ذلك ميم الجمع نحو: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ فلا يجوز فيه الروم والإشمام لعروض الحركة، فلا يعتد بها؛ لأنها تزول في الوقف لذهاب المقتضي وهو اجتماع الساكنين، فلا وجه للروم، والإشمام.
وأما هاء الضمير: فقد اختلف فيها وقفا :
1. فذهب بعضهم إلى جواز الروم والإشمام فيها مطلقا.
2. وذهب بعضهم إلى المنع مطلقا.
3. والمختار منعهما فيها إذا كان قبلها ضم، أو واو ساكنة، أو كسر،
أو ياء ساكنة مثل: يَرْفَعُهُ و عَقَلُوهُ و بِهِ و فِيهِ .
وجوازهما إذا لم يكن قبلها ذلك، بأن انفتح ما قبل الهاء، أو وقع قبلها ألف، أو ساكن صحيح مثل: فَأَكْرَمَهُ وَهَدَاهُ و عَنْهُ .
ووجه الروم والإشمام الإجراء على القاعدة، ووجه المنع طلب الخفة.
حكم هاء الضمير وصلا
لما كانت هاء الضمير في اصطلاح القراء: هي الهاء الزائدة الدالة على الواحد المذكر الغائب، سميت هاء الكناية أيضا لأنها يكنى بها عن المفرد والمذكر الغائب ، ولها أربع أحوال:
الحالة الأولى: أن تقع بعد متحرك وقبل ساكن نحو: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
الحالة الثانية: أن تقع بين ساكنين نحو: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
وقد اتفق القراء العشرة على عدم صلة هاء الضمير في هاتين الحالتين إلا البزي عن ابن كثير في قوله تعالى: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى فإنه يصل الهاء بواو لفظية في الوصل، ويشدد التاء من "تلهى"، ويلزم حينئذ مد الهاء مدا طويلا لوجود الساكن المدغم.
الحالة الثالثة: أن تقع بين متحركين نحو: إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا
ولا خلاف بين عامة القراء في صلة هذه الهاء بواو لفظية في الوصل إذا كانت مضمومة، وبياء لفظية في الوصل إذا كانت مكسورة.
وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه وصلها بواو لفظية إذا كانت مضمومة، وبياء لفظية إذا كانت مكسورة -كما أسلفنا- إلا في خمسة مواضع منها، وهي: أَرْجِهْ في الأعراف والشعراء، وَيَتَّقْهِ في النور، و فَأَلْقِهِ بالنمل ، و يَرْضَهُ بالزمر .
أما أَرْجِهْ و فَأَلْقِهِ فقرأهما بإسكان الهاء وصلا ووقفا.
وأما وَيَتَّقْهِ فقرأ بقصر الهاء أي كسرها من غير صلة؛ لأنه يسكن القاف قبلها.
وأما يَرْضَهُ فقرأ بقصر الهاء مضمومة من غير صلة.
الحالة الرابعة: أن تقع بعد ساكن وقبل متحرك نحو: فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
وهذه الحالة مختلف فيها بين القراء العشرة، فابن كثير يصلها بواو إذا كانت مضمومة، وبياء إذا كانت مكسورة، ويوافقه حفص في لفظ فِيهِ مُهَانًا
بالفرقان، فيصل الهاء من "فيه" بياء لفظية في الوصل، وباقي القراء بالقصر أي بحذف الصلة مطلقا، ولا خلاف بين القراء في إسكان الهاء وقفا.
الوقف، والابتداء، والقطع، والسكت
الوقف:
عبارة عن قطع الصوت على الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة، فلا بد من التنفس معه.
ويأتي في رءوس الآي، وأوساطها، ولا يأتي في وسط الكلمة، ولا فيما اتصل رسما، فلا يوقف على: "لكي" في قوله تعالى: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا بالحج؛ لاتصاله رسما.
والسكت:
هو قطع الصوت زمنا يسيرا من غير تنفس، ويأتي في وسط الكلمة، وفي آخرها.
والقطع:
عبارة عن قطع القراءة رأسا، ولا يكون إلا على رءوس الآي؛ لأن رءوس الآي في نفسها مقاطع.
أقسام الوقف:
ينقسم الوقف إلى أربعة أقسام:
1. اختياري: وهو أن يقصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب.
2. اضطراري: وهو ما يعرض بسبب ضيق النفس، ونحوه كعجز ونسيان.
فحينئذ يجوز الوقف على أية كلمة، وإن لم يتم المعنى، لكن يجب الابتداء بالكلمة الموقوف عليها إن صلح الابتداء بها، أو بما قبلها إن لم يصلح.
3. انتظاري: وهو أن يقف القارئ على كلمة ليعطف عليها غيرها حين جمعه للقراءات.
4. اختباري: وهو ما كان الغرض منه اختبار الشخص وامتحانه، ويتعلق بالرسم كالمقطوع، والموصول، والثابت، والمحذوف، ولا يوقف عليه إلا إجابة لسؤال ممتحن، أو لتعليم القارئ كيف يقف إذا اضطر للوقف.
أقسام الوقف الاختياري:
ينقسم إلى أربعة أقسام: تام، وكاف، وحسن، وقبيح.
1. فالتام:
هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها، ولا بما قبلها لا لفظا ولا معنى، ويقصد بالتعلق اللفظي التعلق من جهة الإعراب.
وأكثر ما يوجد هذا النوع في رءوس الآي، وعند انقضاء القصص، كالوقف على "المفلحون" من قوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والابتداء بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فإن الأولى من تمام أحوال المؤمنين، والثانية متعلقة بأحوال الكافرين.
وحكمه: أنه يحسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده.
2. والكافي:
هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها، ولا بما قبلها لفظا، بل معنى فقط، كالوقف على: لا يُؤْمِنُونَ والابتداء بقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فإن قوله: "لا يؤمنون" مع ما بعده متعلق بالكافرين من جهة المعنى.
وحكمه: كالتام.
3. والحسن:
هو الوقف على كلمة تعلق ما بعدها بها، أو بما قبلها لفظا ومعنى، بشرط إفادته معنى يحسن السكوت عليه، ومن ثم سمي حسنا، كالوقف على لفظ "لله" من قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فهذه الجملة أفادت معنى، لكن ما بعد لفظ الجلالة متعلق به؛ لكونه صفة له.
حكمه:
إن كان غير رأس مثل: "الحمد لله" حسن الوقف عليه، ولم يحسن الابتداء بما بعده، فمن وقف عليه وأراد الابتداء وصله بما بعده؛ لأن الابتداء بما يتعلق بما قبله لفظا قبيح.
وإن كان رأس آية مثل: "العالمين" من قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده، وإن وجد التعلق؛
لأن الوقف على رءوس الآي سنة مطلقا؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ قطع قراءته آية آية. يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، ثم يقول: الرحمن الرحيم، ثم يقف " إلى آخر الحديث وهذا الحديث أصل في هذا الباب، فظاهر هذا الحديث أن رءوس الآي يستحب الوقف عليها مطلقا.
وقال بعضهم في شرح هذا الحديث: هذا إذا كان ما بعد رأس الآية يفيد معنى، وإلا فلا يحسن الابتداء به، كقوله تعالى في سورة البقرة: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فإن تَتَفَكَّرُونَ رأس آية، لكن ما بعده لا يفيد معنى إلا بما قبله، فلا يحسن الابتداء بقوله: فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بل يستحب العود لما قبله، والمذهب الأول هو المشهور عند غالب أهل هذا الفن.
4. والقبيح:
هو الوقف على لفظ غير مفيد، وقد تعلق ما بعده بما قبله لفظا ومعنى، كالوقف على المبتدأ دون خبره، أو على المضاف دون المضاف إليه.
فالوقف على: "الحمد" من قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ قبيح، وكذلك الوقف على: "بسم" من: بِسْمِ اللَّهِ . فكل وقف على ما لا يفهم منه معنى يعد قبيحا، ولا يجوز إلا لضرورة، كانقطاع نفس ونحوه، أو لتعليم القارئ الوقف على الكلمة.
ولا بد من الابتداء بالكلمة الموقوف عليها، أو بما قبلها على حسب ما يقتضيه المعنى من الحسن؛ لأن الوقف قد أبيح للضرورة، ولا ضرورة في الابتداء، فلا يكون إلا اختياريا، ومن ثم فلا يجوز إلا بمستقل بالمعنى موفٍ بالمقصود، فالابتداء بما تعلق بما قبله يعتبر قبيحا.
وأشد قبحا الوقف والابتداء الموهمان خلاف المراد: كالوقف على قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي وكالوقف على قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا ثم الابتداء بقوله: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وغير ذلك مما يوهم الوقف عليه أو الابتداء وصفا لا يليق به تعالى، أو يفهم معنى غير ما أراده الله جل وعلا فمن وقف على مثل هذا لضرورة وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض.
والوقف في ذاته لا يوصف بالوجوب ولا بالحرمة، وليس في القرآن من وقف واجب يأثم القارئ بتركه، ولا من حرام يأثم بفعله، وإنما يتصف بهما بحسب ما يعرض له من قصد إيهام خلاف المراد.
مواضع السكت
ورد السكت عن حفص في أربعة مواضع:
الأول: قوله تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا بالكهف، فالسكت هنا على الألف المبدلة من التنوين في لفظ "عوجا"؛ وذلك لبيان أن ما بعده وهو قوله: قَيِّمًا ليس متصلا بما قبله.
الثاني: قوله تعالى: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا في يس، فالسكت هنا على ألف "مرقدنا"؛ وذلك لبيان أن كلام الكفار قد انقضى، وما بعده وهو قوله: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ليس من كلامهم، بل هو من كلام الملائكة، أو المؤمنين.
الثالث: قوله تعالى: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ فالسكت هنا على نون "من"؛ لئلا يتوهم أنها مع ما بعدها كلمة واحدة على وزن "فعال".
الرابع: قوله تعالى: بَلْ رَانَ بالمطففين، فالسكت هنا على لام "بل" لما تقدم في مَنْ رَاقٍ .
وهناك موضع خامس مختلف فيه وهو قوله تعالى: مَالِيَهْ * هَلَكَ بسورة الحاقة، ففيه السكت والإدغام كما تقدم في باب "المتماثلين".