يبادرني البعض ـ سواء من العاملين في التعليم العالي أو خارجه ـ بسؤال مفاده : لماذا هذا الهوس الفجائي في العالم العربي بالاعتماد الأكاديمي ؟ وماالذي سيعود على جامعاتنا ، وعلى المجتمع من هذا الهوس ، خاصة وأن طريق الاعتماد الأكاديمي يبدو مُجهدا وشاقا ومكلفاً. ويشير البعض من الشغوفين بنظرية المؤامرة تلميحاً تارة ، وتصريحاً تارة أخرى بأن الاعتماد الأكاديمي ماهو إلا " بزنس " أو " صيحة " أطلقتها جهات مستفيدة من اطلاق هذا التوجه في جامعات الدول النامية . ودعوني أرد على هذه التساؤلات بتساؤل طرحناه مراراً وتكراراً.
ألم نتسائل : لماذا يفشل خريجونا في تلبية متطلبات سوق العمل ، وتحقيق تطلعات جهات التوظيف في المجالات المختلفة ؟ ألم تشتك وزارات التعليم من تدني مستوى المعلم ؟ ألم تشتك الصحف من ضعف مستوى المحررين الجدد في اللغة العربية ؟ ألم تشتك المصانع من افتقار الخريجين للمهارات العملية المهنية ؟ ، ألم تتضرر البنوك وغيرها من جهات التوظيف من إنفاق الملايين لتأهيل المعينين الجدد في برامج لصقل مهاراتهم ، وتعويض النقص في تأهيل خريج الجامعة ؟
نعم طرحنا هذه التساؤلات مراراً ، ولكن السؤال المطروح بإيجاز الآن : هل سيحل الاعتماد الأكاديمي هذه المشكلات ، ويحقق للمجتمع أمنياته بشأن " الخريج الكف "؟! ومن وجهة نظري المتواضعة سأقول : نعم دون أدنى شك ، وإليك أسبابي :
أولاً ـ أن الاعتماد الأكاديمي يتطلب بدايةً تأسيس مفهوم جديد للجامعة ، فالجامعة كبرج عاجي ينظر منسوبوها إلى المجتمع من علٍ لامكان لها عندما نتوجه نحو الاعتماد الأكاديمي ، إذ يستبدل ذلك بنظرة جديد تقيم الجامعة على أسس تضمن الشراكة بينها وبين المجتمع ، وهذه الشراكة تعنى تبادلا واضحا للمصالح بين الطرفين .
ثانياً ـ أن الاعتماد الأكاديمي يقوم على تبني الجامعة فكر التقويم الذاتي ، والاعتراف بالأخطاء والعمل على التطوير المستمر للذات .
ثالثاً أن الاعتماد الأكاديمي يتطلب التخطيط الاستراتيجي لضمان مستويات عالية ومنافسة للمخرجات المتعلقة بوظائف الجامعة المعروفة ( التعليم ـ البحث العلمي ـ خدمة المجتمع ) ، وتشترط جهات منح الاعتماد وجود خطة استراتيجية طموحة للجامعة .
رابعاً ـ أن الاعتماد الأكاديمي يستبدل فلسفة التعلم بفلسفة التعليم ، ومن هنا تكون الأولوية لما ينبغي أن يتعلمه الطلاب وليس لما يرغب الأستاذ في تعليميه ، ويترتب على ذلك بالضرورة إعطاء أهمية قصوى لكيفية تحديد نتاجات تعلم الطالب في صورة قابلة للملاحظة والقياس كمخرجات تعليمية متوخاة .
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الاعتماد الاكاديمي يعني جامعة منتجة للبحث العلمي ، متفاعلة مع المجتمع المحلي والعالمي ، إذ يشغلها بشكل رئيس خدمة المجتمع المحلي والعالمي ، وتلبية حاجاته ، كل ذلك يجعلنا نتيقن أن الاعتماد الأكاديمي ليس صيحة ، ولكنة واقع ، وضرورة ملحة تأخرنا في الاستجابة لها ، ولكن لم يفن الأوان بعد .
أ.د. يس عبد الرحمن قنديل
رئيس وحدة الاعتماد الأكاديمي ـ عمادة الجودة