جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد) (إبراهيم :1). وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته أفضل الأساليب التربوية والتعليمية ، ومن هذه الأساليب ؛ التدرج من العام إلى الخاص، أسلوب الترغيب أكثر من الترهيب ، التدرج في الأعمال والمعلومات، المثل والقدوة ، الحوار والمناقشة ،القصة والحكاية ، طرح السؤال ، واستعادة السؤال، وسوف يتناول الحديث هنا إحدى الاستراتيجيات التعليمية التي استخدمها النبي في تعليم أصحابه ، وهى استراتيجية طرح الأسئلة :
مفهوم استراتيجية طرح الأسئلة :يعد مصطلح الاستراتيجية من المصطلحات العسكرية والتي تعني استخدام الوسائل لتحقيق الأهداف، فالاستراتيجية تعني أصول القيادة الذي لا اعوجاج فيه، فهي تخطيط عال المستوى، وتعرف في التعليم على أنها " مجموعة من الإجراءات الإرشادية التي تحدد وتوجه مسار عمل المعلم للوصول إلى مخرجات أو نواتج تعلم محددة منها ما هو عقلي معرفي أو وجداني أو مهاري .
وتعرف استراتيجية طرح الأسئلة بأنها:" مجموعة الإجراءات التي يقوم بها المعلم والمتعلمون معاً في تتابع منطقي لتناول موضوعات تعليمية معينة من خلال طرح مجموعة متنوعة من التساؤلات حول تلك الموضوعات وتتطلب من المتعلمين إمعان الفكر في التوصل إلى إجابات مرضية عن تلك التساؤلات "
الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم واستراتيجية طرح الأسئلة :
إن المتأمل في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم- يجد فيها الأسوة والقدوة في كل مجال من مجالات الحياة ، سواء في مجال العبادة والعقيدة والأخلاق والمعاملات، وكذلك طريقة التعليم والتعلم .
والمتأمل في السنة النبوية يجد بوضوح أن هذا الأسلوب التربوي الذي كان يبتدئ به -عليه الصلاة والسلام- أصحابه يعد من أهم ركائز المنهج النبوي في التعليم. والناظر في تلك الأحاديث يدرك مدى أثر هذا المنهج في استثارة فكر الصحابة -رضوان الله عليهم-، وتنمية قدراتهم علي البحث والمناقشة والاستنتاج.- فعن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال : (إنما شفاء العيُّ السؤال) -والعيُّ: هو الجهل-. ومن الأحاديث التي وردت عن النبي وتبين مدى اهتمامه بأسلوب طرح الأسئلة، نجد حديث معاذ المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله : أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا )أخرجاه في الصحيحين . وحديث: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ يَا أَبَتَاهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ مَا مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ). وحديث: ("يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم قال : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال : قلت { اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } . قال فضرب في صدري وقال " والله ليهنكَ العلم أبا المنذر " ) رواه مسلم .وحديث: (أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع , قال صلى الله عليه وسلم : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا ,وقذف هذا , وأكل مال هذا , وسفك دم هذا , وضرب هذا , فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم.. وحديث: (أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله اعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) رواه مسلم. وحديثه صلى الله عليه وسلم لما سمع أحد الصحابة يدعو ويقول يا حي يا قيوم قال النبي: أتدرون بم يدعو؟ لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى . وحديث النبي عندما سأل أصحابه وهو يحدثهم عن باب التوبة الذي خلقه الله قبل خلق آدم " أتدرون ما الباب"؟ فقالوا "لا يا رسول الله" قال "الباب هو التوبة" ، وحديثه :" قال النبي : أتدرون من التّائب؟ ".ومن القصص التي توضح اهتمام النبي بأسلوب السؤال قصته مع معاذ ، وهى عندما بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) معاذ إلى اليمن قال له: بما تحكم يا معاذ، قال معاذ: بكتاب الله، قال : فإن لم تجد في كتاب الله، قال: فبسنة رسول الله ، قال: فإن لم تجد، قال معاذ: فأجتهد برأيي. فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله. وإلى غير ذلك من القصص والأحاديث النبوية الشريفة ،التي جاءت مبينة أهمية أسلوب طرح السؤال الذي استخدمه النبي مع أصحابه. وقد غرس النبي هذا الأسلوب التربوي في أصحابه حتى النساء كن يسألن ويتعلمن أمور دينهم ودنياهم فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها ، قَالَتْ : " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَأَنْ يَسْأَلْنَ عَنْهُ ، وَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النُّورِ شَقَّقْنَ حَوَاجِزَ أَوْ حُجُورَ مَنَاطِقِهِنَّ فَاتَّخَذْنَهَا خُمُرًا ، وَجَاءَتْ فُلانَةُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ ، كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْمَحِيضِ ؟ قَالَ : " لِتَأْخُذْ إِحْدَاكُنَّ سِدْرَتَهَا وَمَاءَهَا ، ثُمَّ لِتُطَهِّرْ فَلْتُحْسِنِ الطُّهُورَ ، ثُمَّ لِتَفْيِضْ عَلَى رَأْسِهَا ، وَلْتُلْصِقْ بِشُئُونِ رَأْسِهَا ، ثُمَّ لِتُفِيضْ عَلَى جَسَدِهَا ، وَلْتَأْخُذْ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً " أَوْ قِرْصَةً ، قَالَ يَحْيَى : فِرْصَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ " فَلْتَطَّهَّرْ بِهَا " يَعْنِي الْفِرْصَةَ الْمُمَسَّكَةَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مِنَ الذَّرِيرَةِ ، قَالَتْ : " كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا ؟ فَاسْتَحَيَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَتَرَ مِنْهَا ، وَقَالَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، تَطَهَّرِي بِهَا " قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمَحْتُ الَّذِي قَالَ فَأَخَذْتُ بِجَيْبِ دِرْعِهَا فَقُلْتُ : تَتَبَّعِي بِهَا آثَارَ الدَّمِ)
أهمية هذا هو الأسلوب الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم فهل علمنا ذلك الأسلوب لنتركه بدعوى أننا لدينا من الأساليب التربوية وأن هذا الأسلوب هو أسلوب غربي وأننا لا يجب أن نتبع الغرب ونقلب الآية على عكسها وننسب ابتكارات نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ما لا هل لهم
مواقع النشر (المفضلة)