ليكن شعرا جديدا
ماذا نقول اليوم ياشعراء جف المعين وغاض فيه الماء
لقد ضاقت الساحة الادبية بالابداع الشعرى الزائف والغث ولم نعد نتبين الشعر الحقيقى وباتت القصيدة العمودية تندب حظها وسط ركام الشعر الحر وبلوى قصيدة النثر التى اصابت ساحة الابداع بمرض عضال واصبحنا متورطين فى الحداثة وما بعد الحداثة رغم انوفنا لاننا فقدن القدرة على مواجه المد الغربى واكتفينا بجذر الثقافة العربية واختلط الحابل بالنابل واصبحنا فى موجة تغريب وتغييب للوعى العربى والابداع العربى دون جدوى فى تأسيس مناهج عربية تتنفس برئة عربية كل مصادر الابداع على المستوى الشعرى والقصصى والمسرحى والنقد العربى و اصبح علينا الان ان نؤسس لفكر جديد وابداع جديد ينبثق من رؤى عريبة خالصة وان نعيد قراءة تراثــــــــــــنا العربى وان نؤسس شعراً جديداً يلغي إلى الأبد المقولة الزائفة التي ترى إن الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير لان وضعف، وتُـؤوِل مقولة: إن الدين بمعزل عن الشعر، بما لا يرضي الشعر ولا يرضي الدين على السواء، فنقوض ـ من أجل التأسيس ـ ما انبنى على تلك المقولة من أحكام تقوم على الهوى أو على العقل، ونعطي القلب الكلمة ليقول إن الشعر الرفيع بابه الخيرُ، ولا سبيل إلى التأسيس الشعري إلا إذا جعلنا للقلب حكمه، وأطلقنا إلى سماء الحرية وفضائها عصافير الوجدان المحلقة بأجنحة من الخير والجمال، وعرفنا أن أنوار الدين وضياء الفن من مشكاة واحدة.
نؤسس شعراً جديداً يطوّع الأشكال الشعرية ولا يطاوعها، ويناغي الألوان التعبيرية الشفافة من قديم وحديث ويسابق عتاقها في المضمار إلى الغاية ولا يلغيها.
نؤسس شعراً جديداً يعيد تشكيل الكون على إيقاع الروح، ويرفع صرح النبوغ الإنساني على أسس من المحبة والجمال والسلام.. في زمن الحرب والضغينة والظلام.
نؤسس عشقاً جديداَ يقوم على قاموس جديد للعاشقين، قاموس يعطي اللفظة حقها، ويقيسها بمقاييس القلب الأولى، ولا يزنها بموازين الهوى الجارف الذي يحوّل الطالب إلى كلب إن تحمل عليه أو تتركه يلهث، ويحوّل المطلوب إلى حزمة من الشهوات التي لا تفيق إلا على تصدع جدران الروح ..
نؤسس عشقاً جديداً يدعو الخطاب التقليدي إلى التواري عن أعين العاشقين، ذلك الخطاب القائم على التبتل عند ارتعاشة الشفاه المحمومة، وليل الغدائر الهاربة، وبرودة الأعضاء المرمرية، وقوارير العاج الهشة،
ليقوم على سوقه خطاب جديد في العشق يضحي فيه العاشق بأعراض المحبّ الفاني من أجل جوهر المحبوب الباقي، ذلك الجوهر الفرد الذي يكسب الأشياء بهاءها، ويعطيها رواءها، وتـتوحد عنده أرواح العاشقين، فإذا هي كائن موحد نوراني شفاف، لا يتنكر لأهواء الطين، ولكنه لا يحكّمها في أشواق الروح.
هكذا إذن نؤسس شعراً جديدا يقوم على لغة جديدة مبتكرة، هي لغة كاشفة لا لغة واصفة، لغة تقتصد في التعبير، وتستند إلى التصوير، من أجل ألا تتمدد القصيدة خارج مساحة الوحي الشعري الذي لا علاقة له بتجربة من التجارب المرتقبة النتائج، وليس الوحي الشعري اختباراً نخضع نتائجه لتعقيدات المختبرات، غير مختبر الأشواق الروحية السابحة في سماء الحق والخير والجمال. وكل لغة لا تستند إلى صدق مساءلة الذات، وشفافية الإصغاء إلى الخفقة الأولى، جديرة بأن تنتقل من الجمال الحيّ إلى الزخرف المتكلس الأعضاء.. وقد يروعك الزخرف إلى حين، ولكن مصيره كمصير العجل الذهبي، يُـنسف في يمّ الفـنّ الخالد، المستمد أنواره من كتاب اليقين.
فلنعتصم إذن بما أفاضت به علينا الأسماء الحسنى وأنوارها البهية من مطارف الجود ومجاسد المحبة، ولنخلص النفس من أوهام العشق المجازي ورمضاء لفحها الرهيب، ولنجرد أقلام الحيرة غير هيابين ولا وجلين، ولنغمسها في مداد التجليات السنية حتى نبلغ أقصى درجات العشق الحق وظله الظليل وغصنه الرطيب، من أجل تأسيس شعر الكشف عن عالم الإنسان الرحيب، عالم يميز بين حالة الفقد المجدبة، وحالة الفراق المفضية بإذن ربها إلى بستان خصيب.