فقر القدرة أم فقر الندرة ؟ أيهما أشد خطورة؟

يشهد العالم العربى فى الآونة الأخيرة ظاهرة الفقر على كافة المستويات ، والأصعدة ، وهذا نتاج عوامل متعددة أهمها، وأخطرها الأزمة المالية العالمية التى أثرت بشكل كبير على الكثير من الدول المتطلعة للنمو ، والتى ليس لديها احتياطى كاف لسد العجز فى نظم المديونية ، كما أن أغلب الدول كانت تعيش على الكثير من المعونات، والمنح التى كانت تقدمها دول الاتحاد الأوربى . والآن بعد تقليل تلك المنح ، وحجب الكثير من المعونات عن بعض الدول نتيجة لتفاقم الأزمة العالمية ، بدأ العجز ، والفاقة ينتشر بين الكثير من الدول محدودة الموارد .
ولكننى أتساءل : لماذا دائماً نتحدث عن فقر الندرة ، ونقول ليس لدينا موارد مادية كافية ولدينا عجز فى المديونية ، ولدينا ندرة فى ميزان المدفوعات ، وندرة فى المياه والكهرباء وندرة وندرة وندرة .......
لماذا لا نتحدث عن القدرة ، أليس فقر الندرة سببه فقر فى القدرة ، ألم ننتبه إلى أن فقر القدرة على العمل، والكفاءة، والجودة، والإتقان هو ما سبب فقر الندرة ، وجعلنا نظهر أمام الدول المتقدمة بالعوز، والحاجة الدائمة لمعوناتهم، ومنحهم .
لماذا لاندشن ثقافة القدرة ، فبناء القدرة، والعمل على توفير الكوادر التى تفكر ، وتبتكر فى حل الأزمات ، وطرح البدائل الممكنة لتخطى الأزمات التى نعتقد أنها مستحيلة ، رغم أننا جميعاً نعلم، وندرك أن هناك بلدان قد تجاوزتها من قبل رغم قلة مواردها المادية ، وإمكاناتها . لكنها راهنت على القدرة ، وعلى الإرادة البشرية التى تصنع المستحيل فتفوقت وأصبحت لها الريادة ، يمكنك أن ترى الهند اليوم والهند منذ عشر سنوات ، وماليزيا والصين ، ولا نريد الحديث عن اليابان ، وما أحدثته من نهضة معجزة . كيف تمكنت تلك الدول من تحقيق كل تلك المعجزات ؟ ببساطة شديدة لأنهم عولوا ، وراهنوا على القدرة والإرادة البشرية ، وغرسوا فى أبنائهم ثقافة تحدى الصعوبات ، وتحدوا، وقدروا على تحطيم التحديات ، وزللوا الصعوبات بإعمال عقولهم، والتفكير فى جلب موارد مادية جديدة بدلاً من الموارد المادية النادرة ، واستثمروا عقولهم فى تحدى الدول العظمى، ونشر منتجاتهم، ومنافسة السوق العالمية بجودة منتجاتهم التى صنعوها بموارد محدودة ، ولكن بقدرات هائلة، ودأب، ومثابرة، وعمل متواصل لا كلل فيه ، ولا تراخ .
لماذا لا نشرك المجتمع كله فى التحديات التى تواجهنا ؟، لماذا لا نستثمر طاقات الشباب الخامل فى مشروعات إبتكارية تسهم فى جلب موارد مادية للمجتمع ككل ؟ لماذا لا نستثمر طاقات أطفال الشوارع الذين أضحوا بالملايين فى الدول العربية ، ونوظفهم فى خدمة المجتمع ، والبيئة، ونجعل منهم طاقات قادرة على العمل، والإنجاز بعد فهم احتياجاتهم الأساسية ، وحل مشكلاتهم، والتى على ما أظن أن أكبر مشكلة لديهم هى الحاجة إلى الأمن ، والأمان من المجتمع . فإذا راهن المجتمع على هؤلاء ، وأعطوهم الثقة، والحب ، والأمان ، سيجد منهم طاقات جبارة على العمل، والإبداع، والابتكار بدلاً من التخريب ، والعنف والجريمة، والإدمان .
المعاناة ، والحرمان، والفقر المدقع، والأمراض التى نجدها فى معظم دول العالم الثالث الآن نتاج لثقافة التراخى ، والكسل ، وعدم إعمال العقل، واستثمار الطاقات البشرية فى كل ما هو مفيد ، ونافع . والآن كل العالم يشكو من فقر الندرة ، ولكن ثمة دول تستطيع بسهولة استيعاب الأزمة ، وتوفر لها موارد بديلة من خلال توظيف ما لديها من قدرات عقلية وعلمية، وعملية فى عمليات التنمية ، واستثمار كل ما هو متاح لتوليد ما هو غير متاح .
ويتم عمل ورش عمل ، واجتماعات، وبحوث علمية مبتكرة لعلاج الأزمات، وتخطيها ، والنزول إلى الميدان ، والبحث عن موارد جديدة، وأفكار لتحسين الوضع هكذا شيدت الحضارات ، فلم تشيد من الكسل، والحديث عن ندرة الموارد ،والفاقة ، والعوز الدائم ، وإنما شيدت بالعمل ، والإبداع، واستثمار العقول ، وبناء ثقافة القدرة .
إلى متى ستعيش شعوب العالم الثالث على المنح ، والقروض، والمعونات من الدول الأوربية ؟
متى ستحقق الشعوب العربية، وشعوب العالم الثالث إكتفائها الذاتى من كافة الموارد المادية والبشرية ؟
متى سنقول لدينا فائض فى الميزانية ، ولدينا استثمار جيد ، وصناعات دولية ، واكتشافات علمية ، وتسويق متميز لمنتجاتنا ، وجودة أداء عالى المستوى ، وننافس الدول العظمى بأفضل ما لدينا من منتجات علمية ، وتعليمية ، وزراعية، وصناعية ، وتجارية .... ؟
متى سنحقق هذا الحلم كشعوب كانت لها الريادة فى السابق فى كافة المجالات ؟
أحسب أن سبيلنا إلى بناء ثقافة القدرة هو التعليم ، عندما نغرس تلك الثقافة فى أبنائنا من خلال المناهج ، والمقررات التى تشجع على الإبداع، والنشاط المستمر، والمحاولة ، والخطأ والتجريب ، ولا نقيم أبنائنا على الحفظ ، والاستظهار ، بل بناء على القدرة على حل المشكلات ، والتفكير فى المستقبل من خلال طرح أفكار لمشروعات جديدة ، فمهما كانت الأفكار بسيطة فى البداية إلا أن جدتها ، وحداثتها، والعمل على تطبيقها تجعل منها مشروعات كبرى تسهم بلاريب فى التوجه قدماً بالمجتمع نحو الأمام، والتقدم المستمر .
تلك هى وظيفة التعليم ، فقد آن الأوان أن نربط قضايا التعليم بهموم، وقضايا الوطن ، وأن نوظف طاقات الأطفال، والشباب فى حل قضايا المجتمع، وألا نستهين بأفكارهم لأنهم هم المستقبل الذى نراه من عن ُبعد بلا ريب.

So the act is the proper way to handle the poverty problems . Yes we act .