في يوم من الأيام، جلس حسن على شاطئ البحر يستذكر أيام طفولته، حين كان يذهب مع جده في رحلاته البحرية، فقد كان جده بحارًا ماهرًا، تعلم على يديه كثير من البحارة أصول هذه المهنة.
تذكر كيف كان جده ينظم عمل مساعديه من البحارة الآخرين، وتذكر كيف كان يقف في مقدمة السفينة، ينظر بمنظاره المكبر؛ فيستشرف الأخطار، وكيف كان يوزع المهام على البحارة الآخرين، وكيف كان يتابع عملهم، تذكر كيف كان ذا همة عالية وطاقة متجددة، فكان يبعث فيهم الحمية والحماسة.
جالت كل تلك الأفكار في رأسه وهو جالس على شاطئ البحر، وبينما هو كذلك إذ مر به صديقه أحمد، فسأله قائلًا: (ما الذي أجلسك ها هنا يا حسن؟)، فتنهد حسن طويلًا ثم أخذ يقص عليه ما كان يجول في خاطره، وصديقه أحمد ينصت إليه باهتمام.
فما إن أنهى حسن حديثه، حتى قال له أحمد وابتسامة الاستنكار تعلو ثغره: (أما زالت تعيش مع تلك الذكريات؟! حاول أن تنسها، فأنت لا تجيد ركوب البحر، فلماذا تقحم نفسك في هذه الأمور؟!)، فرد عليه حسن وقال: (ولكن جدي كان ...)، فقاطعه أحمد مرة ثانية قائلًا: (ها أنت تقولها من جديد، جدي كان، أي أن ذلك هو الماضي، والماضي لن يعود، فعش حاضرك، ولا تستلهم تلك الذكريات الرائعة من الماضي).
انتهى الحديث بين الصديقين على ذلك النحو، وانصرف كلٌّ منهما إلى حال سبيله، ولكن الفكرة بدأت تبزغ في ذهن حسن، لماذا لا يكون بحارًا عظيمًا كجده؟! وما الذي يحول بينه وبين إعادة أمجاد الأجداد؟! أو ليست نفس الدماء تجري في العروق؟! فلماذا لا يعيد الكرة ويكرر المحاولة؟!
فعقد حسن العزم على أن يعيد المسيرة، ذهب إلى أبيه وطلب منه مفتاح المخزن الذي كان يضع فيه الجد قاربه؛ فتعجب الأب من طلب ابنه حسن، ولكنه أعطاه مفتاح المخزن الذي لم يُفتح منذ وفاة الجد؛ فالأب قد استولت عليه أحلام السفر إلى المدينة بعيدًا عن أجواء البحر، وانشغل عن وظيفة أبيه، فما حقق أحلامه في الحياة، ولا أعاد سيرة أجداده.
أخذ حسن المفتاح ويمم وجهه تلقاء مخزن الجد، وكله أمل ويقين في أنه سيعيد حتمًا تلك الأمجاد، وسيخرجها من دفتر الذكريات إلى دفتر الواقع.
مواقع النشر (المفضلة)