إتقان العمل تقليد أم نظام جودة نبوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثيراً من ينسى بأن ديننا لم يأتِ من أجل الآخرة فحسب، بل جاء للدنيا والآخرة، وقد قرر القرآن ذلك في عدة مواطن، كقوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}} القصص77{، ويقول ابن عمر رضي الله عنه: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
* واليوم تزهو الأمم بنظام الجودة، خاصة اليابان - واضعو نظام الجودة- في العصر الحديث، وأصدروا قاعدة - كسبوا من ورائها المليارات من الدولارات- هي: العمل من مرة واحدة، بمعنى أن تحرص على إتقان العمل بحيث لا تضطر لإعادته، وبالتالي تكون قد أضعت جهداً ومالاً، فالعمل من مرة واحدة حتى -لو تأخر قليلاً- أفضل من إعادة العمل مراراً وتكراراً.
*وإذا كانت هذه قاعدة عظيمة درّتْ على أصحابها أموالاً، ويقوم نظام الجودة عليها، فاعلموا بأن ديننا الذي أنزله الله قد سَبَقَ إلى مثل هذه القاعدة، عندما دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إتقان العمل وربط هذا الإتقان بقيمة روحية عظيمة هي: نيل حب الله ورضاه، فقال في الحديث الصحيح: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي إذا في الإسلام ليس المطلوب العمل فحسب وكيفما اتفق، بل المطلوب أن يكون العمل نوعياً متقناً، وقد ذهب العلماء إلى أن من شروط قبول العمل الإتقان، فسر الفضل بن عياض -رحمه الله {أحسن عملاً} في قوله تعالى: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً} }الملك: 2{ بالإخلاص والإتقان، فقال: أخلصه وأصوبه، قيل ما أخلصه؟ قال: أن يكون لله، قيل وما أصوبه؟ قال: أن يكون وفق ما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن العمل لا يُقبل، حتى يكون خالصاً صواباً.
* وعليه فالواجب علينا أن نأخذ بنظام الجودة النبوي، إذا رغبنا في استجلاب حب الله ورضاه، في كل المجالات التي نباشرها، دينية أو دنيوية، فالواجب مراعاة نظام الجودة في قضايا الدنيا، فالطالب ينبغي أن يتقن دراسته ليستجلب حب الله ورضاه، بل ينبغي له أن يراعي الجودة والإتقان في تفاصيل الدراسة، فالإتقان في المذاكرة بإتباع أفضل الأساليب، والإتقان في حل الواجبات، والإتقان في تقديم الامتحانات، والإتقان في تقديم البحوث والتقارير. ومثله الأستاذ والمدرس، ينبغي أن يراعي الإتقان في أداء رسالته قربة لله واستجلابا لحب الله، فيراعي الإتقان في التحضير، وفي الشرح والإلقاء، وفي وضع الامتحان بحيث لا تلتبس الأسئلة مع غيرها، ولا يحتمل السؤال أكثر من احتمال -ما لم يكن مقصوداً - ويشمل الإتقان كذلك التصحيح والتقييم، وكذلك الموظف -في أي مجال كان- ينبغي له أن يراعي الجودة والإتقان في عمله قربة إلى الله.
_ وهكذا تغدو حياتنا كلها جودة وإتقان، بحيث تشمل بيعنا وشرائنا، وتعاملنا مع آبائنا ومع أبنائنا، ومع زوجاتنا، بل ومع مستخدمينا، بل حتى في الرياضة والترفيه وقيادتنا للسيارة، ، لذلك من المهم بمكان أن نستحضر هذا الحديث قبل بدء أي عمل، وكذلك نسأل أنفسنا بعد كل عمل، هل هذا عمل متقن أم لا؟

طلعت محمد أحمد / أسيوط