التعليم في الصينتحطمت عزلة الصين بحرب الأفيون (1840 - 1842) التي شنها الغرب عليها مما اضطرها لفتح أبوابها الكبرى العتيقة، وأجبرها على أن تطأ قدماها طريق التحديث الشاق، والتخلي عن مناهج التعليم القديمة التي كانت تسمى بـ«النقد النصي»، لأن هذا النوع من التعليم لم يكن كافياً لمعالجة المواقف السياسية والاجتماعية المضطربة، فظهرت مجموعة من طبقة المثقفين الإقطاعيين الذين تحلوا بالجرأة والجسارة، وأعربوا عن استيائهم إزاء التعليم الكلاسيكي التقليدي الذي يتسم بضيق الأفق والرؤية غير الواقعية.وبذلك بدأت أولى خطوات التغيير الأيدلوجي للتعليم الأكاديمي الذي كان يرتكز على «النقد النصي» في الفترة ما بين 1736 إلى 1819، وكان من رواد الاتجاه الجديد «لين ته شيو، وقونج تسي تشين، ووى يوان» الذين أرسوا فكرة دراسة العلوم الغربية بالصين، وبالنسبة إلى وى يوان فيعتبر من مؤسسي مدرسة التعليم الغربي الحديث إذ جسد حتمية التغيير من خلال رؤية تقدمية علمية.وأدركت الصين بعد حرب الأفيون أهمية العلوم الأجنبية وتعلمها والاقتباس منها لدفع العدوان الاستعماري وصيانة البلاد واستقلالها حتى تظل قوية، فكانت أول دفعة سافرت إلى أمريكا مكونة من ثلاثين طالباً في عام 1872م، كما استقبلت كل من إنجلترا وألمانيا واليابان عدداً كبيراً من الطلاب الصينيين، وشملت الثقافة التي تلقوها في الجامعات الغربية العلوم الإنسانية والطبيعية الجديدة.كما تم إنشاء مدرسة تنج وين كيوان كأول مدرسة للغات الغربية في بكين عام 1862 وتبعها إنشاء دائرة الترجمة في شنغهاي عام 1865 لترجمة الثقافة الغربية، وخطت الصين نحو الغرب خطوات واسعة بإنشائها في عام 1893 أول مدرسة حديثة في ووهان ضمت أقسام الرياضة والعلوم الطبيعية والتجارة.وشهدت الصين بعد حرب الأفيون بسنوات ترجمات صينية عن الغرب في الرياضيات والميكانيكا والكهرباء والكيمياء والصوت والضوء والفلك والجغرافيا وعلم الحيوان والنبات والطب.وكانت البداية الحديثة للاهتمام بالتعليم في عام 1949 وهو ما واكب اندلاع الثورة الصينية وقيام دولة الصين الحديثة، فقد أرادت الحكومة وقتها إصلاح النظام التعليمي، فلم يكن الكثيرون من أفراد الشعب الصيني يحصلون على قسط وافٍ من التعليم، بل كان مقصوراً على فئة بعينها من أبناء الأسر الإقطاعية دون غيرهم من عامة الشعب.وكان الهدف الأساسي لإصلاح النظام التعليمي هو توفير قوى عاملة مدربة ماهرة تفي بحاجات الأهداف التنموية للشعب الصيني.ومع حلول عام 1954م أصبح حق التعليم حقاً مكفولاً لكل أفراد الشعب الصيني بموجب الدستور، ولضمان تمتع الجميع بهذا الحق قامت الحكومة الصينية آن ذاك بتشييد مختلف أنواع المدارس والمؤسسات التعليمية والثقافية.إلا أن المواد الدراسية -التي كانت تدرس وقتها في مرحلة التعليم العام والتي تصل مدتها 12 عاماً- لم تكن على المستوى العلمي والتكنولوجي المطلوب، وهو ما جعل كثيراً من الطلبة يتركون الدراسة لإحساسهم أن محتوى المواد التعليمية لا يتوافق وقدراتهم ولا يشبع حاجاتهم.وفي عام 1958م جاءت أول محاولة منظمة من جانب الحكومة لإعادة هيكلة العملية التعليمية لتتماشى مع متطلبات الاقتصاد القومي، إلا أنها باءت بالفشل بسبب عدم التنسيق بين مختلف عناصر العملية التعليمية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها الصين ما بين نهاية عام 1958 وعام 1959 وكانت النتيجة التخلي عن سياسة الإصلاح التعليمي مؤقتاً.وفي المؤتمر الشعبي الثاني الذي عقد في إبريل 1960 نادى لوتينج نائب رئيس الوزراء في تلك الفترة بتبني سياسة إصلاح تعليمية حقيقية تضع في اعتبارها الاستفادة من التكنولوجيا التعليمية، وفي المؤتمر نفسه دعا وزير التعليم هسيو فينج إلى إيجاد أنواع متعددة من الدراسة: مثل الدراسة الليلية، والدراسة بالمراسلة أو من خلال برامج الراديو والتلفزيون، بالإضافة إلى قيام وزارة التعليم في هذه الفترة بالتوسع في إنشاء المعامل المدرسية وإنتاج الأفلام التعليمية وتوفير الأجهزة اللازمة لتطبيق التكنولوجيا الحديثة بالمدارس، وأطلق على هذه العملية التعليمية اسم «التعليم عبر الوسائط الإليكترونية».وبحلول عام 1966 بدأت «ثورة البروليتاريا الثقافية» والتي استمرت حتى عام 1976، وخلال هذه الفترة قطعت الصين علاقاتها مع العالم الغربي ورفضت كل ما هو غربي حتى الأجهزة التعليمية التي كانت تستوردها من الولايات المتحدة امتنعت عن شرائها، مما جعلها تنتج هذه التكنولوجيا داخل الصين.كما تم تجريم المفكرين والمعلمين ومحاكمتهم لتبنيهم ثقافات غربية، وتم حجب المعلمين عن الإلمام بكل ما هو جديد وارد من الغرب في مجال التعليم. وانقطعت صلتهم بالعالم الخارجي مما أثر بالسلب على عملية الإصلاح التعليمي، وفي ظل هذه الظروف برز على السطح نظام التعليم الأسري، أي تعليم أفراد الأسرة الواحدة بعضهم البعض، ونظام التعليم الذاتي دون مساعدة المعلمين، إلا أن هذه النظم التعليمية كانت محدودة الانتشار، وهو ما دللت عليه إحصائيات القوى العاملة بالصين وقتها، فقد أفادت أن أكثر من نصف القوى العاملة بالصين والتي انضمت إلى سوق العمالة بعد عام 1966 ممن هم دون سن الثلاثين حرموا التعليم وهو ما جعل الحاجة إلى التعليم أكبر من ذي قبل.وفي عام 1977 اتبعت الصين سياسة تنموية تركز على 4 عناصر أساسية للوصول إلى التقدم المنشود وهي الصناعة والزراعة والدفاع والعلم والتكنولوجيا، وكان نصيب الإصلاح التعليمي كبيراً من سياسات الإصلاح والانفتاح التي اتبعتها الصين.ومع بداية الثمانينيات أصبح النظام التعليمي من أهم العوامل التي تؤثر بالإيجاب على التنمية الاقتصادية إذا أحسن استغلاله، وهو ما أكدته القيادة الصينية من خلال قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 1985 بجعل التعليم الأساسي إلزامياً، وهو القرار الذي أقره البرلمان الصيني عام 1986، كما نص القرار نفسه على تغيير المناهج التعليمية وطرائق التدريس، وواكب الإجراءات الإصلاحية في النظام التعليمي تعاظم استخدام أجهزة الكمبيوتر في التعليم، كما تم إنشاء وحدات تعليم سمعية وبصرية في حوالي 62% من المقاطعات الصينية، ومراكز إعلامية في 83% من إجمالي المؤسسات التعليمية.وتم إنشاء مؤسسات تعليمية لإعداد المعلمين بهدف تدريبهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة وتمرينهم على طرائق التدريس الحديثة.وشملت سياسة الإصلاح التعليمي المناطق الريفية خصوصاً وأن حوالي 82% من سكان الصين يسكنون المناطق الريفية، وطبقاً لإحصاءات عام 1990م، فإن 62% من سكان الريف لم يستكملوا تعليمهم الأساسي بسبب معاناة الكثيرين الفقر المدقع وارتفاع تكاليف التعليم الأساسي والإعدادي. فطبقاً للتقرير السنوي للتنمية لعام 1994، وصلت تكاليف التعليم الأساسي للطالب الواحد في الريف الصيني إلى 14.408 يواناً، بينما تكاليف التعليم الإعدادي للطالب الواحد 267.3 يوانا، لذا رأت الحكومة الصينية ضرورة دعم التعليم في الريف الصيني مع توفير الأجهزة التعليمية الضرورية، .
مواقع النشر (المفضلة)