من هو المبدع وما خصائصه؟
إن المبدع إنسان كغيره... غير أنه وعاء مملوء بانفعالات صادقة، تأتيه من كل صوب، من قراءاته، تأملاته، ملاحظاته، احتكاكاته، اهتماماته، ومعاناته.. فينفذ ما قرأه وما سمعه وما شاهده وما وعاه، ليتخفف من وطأة الانفعالات، ومن ازدحام عقله بالرؤى(6).
ثمة خصائص كثيرة يذكرها باحثو الإبداع، غير أن من أهمها في نظري ما يلي:
1 - الخصائص العقلية:
أ - الحساسية في تلمس المشكلات: يمتاز المبدع بأنه يدرك المشكلات في المواقف المختلفة أكثر من غيره، فقد يتلمس أكثر من مشكلة تلح على بحث عن حل لها، في حين يرى الآخرون أن (كل شيء على ما يرام)!!، أو يتلمسون مشكلة دون الأخريات.
ب - الطلاقة: وتتمثل في القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار في فترة زمنية قصيرة نسبياً. وبازدياد تلك القدرة يزداد الإبداع وتنمو شجرته. وهذه الطلاقة تنتظم:
** الطلاقة الفكرية: سرعة إنتاج وبلورة عدد كبير من الأفكار.
** طلاقة الكلمات: سرعة إنتاج الكلمات والوحدات التعبيرية واستحضارها بصورة تدعم التفكير.
** طلاقة التعبير: سهولة التعبير عن الأفكار وصياغتها في قالب مفهوم.
ج - المرونة: وتعني القدرة على تغيير زوايا التفكير (من الأعلى إلى الأسفل والعكس، ومن اليمين إلى اليسار والعكس، ومن الداخل إلى الخارج والعكس، وهكذا) من أجل توليد الأفكار، عبر التخلص من (القيود الذهنية المتوهمة) (المرونة التلقائية)، أو من خلال إعادة بناء أجزاء المشكلة (المرونة التَكيّفية).
فمثلاً باستنطاق قصة الكروان، نجد أن أكثر الناس كانوا يفكرون:
من أعلى إلى أسفل __________ كيف نمسك بالطائر من أعلى؟ ذلك أنهم كانوا يعتقدون بأن الحل يكمن في إيجاد وسيلة معينة يتم استخدامها من جانبهم (الأعلى) وإنزالها إلى الطائر (الأسفل)، وهذه زاوية تفكير جيدة قد تنجح، ولكن الخطورة تكمن في الجمود عليها وعدم التماس زوايا أخرى!!.
بينما وجدنا الطفل المبدع يفكر من زاوية أخرى ـ مع الزاوية الأولى ـ:
من أسفل إلى أعلى ___________ ماذا لو جعلنا الطائر يرتفـع من جانبه لكـي نتمكـن من الإمسـاك به!! وفعلاً.. جاءت فكرة سكب الرمل بكميات قليلة من الجهات المختلفة للحفرة لكي يرتفع الطائر شيئاً فشيئاً. ويسمي البعض هذا اللون من التفكير بـ (التفكير رأساً على عقب).
د - الأصالة: وتعني القدرة على إنتاج الأفكار الجديدة ـ على منتجها ـ، بشرط كونها مفيدة وعملية.
هذه الخصائص الأربع حددها جلفورد، وتشكل هذه الخصائص بمجموعها ما يسمى بالتفكير المنطلق (المتشعب)، وهو استنتاج حلول متعددة قد تكون صحيحة من معلومات معينة وهذا اللون من التفكير يستخدمه المبدع أكثر من التفكير المحدد (التقاربي) وهو استنتاج حل واحد صحيح من معلومات معينة.
هـ ـ الذكاء: أثبت العديد من الدراسات أن الذكاء المرتفع ليس شرطاً للإبداع، وإنما يكفي الذكاء العادي لإنتاج الإبداع(7).
2 - الخصائص النفسية:
يمتاز المبدع نفسياً بما يلي:
أ - الثقة بالنفس والاعتداد بقدراتها. ب ـ قوة العزيمة ومضاء الإرادة وحب المغامرة.
ج - القدرة العالية على تحمل المسؤوليات. د ـ تعدد الميول والاهتمامات. هـ ـ عدم التعصب.
و ـ الميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، مع خصائص اجتماعية وقدرة عالية على اكتساب الأصدقاء.
ز ـ الاتصاف بالمرح والأريحية. ح ـ القدرة على نقد الذات والتعرف على عيوبها(8).
خصائص متفرقة:
أ - حب الاستكشاف والاستطلاع بالقراءة والملاحظة والتأمل.
ب ـ الميل إلى النقاش الهادئ.
ج - الإيمان غالباً بأنه في (الإمكان أبدع مما كان).
د - دائم التغلب على (العائق الوحيد). (العائق الذي يتجدد ويتلون لصرفك عن الإنتاج والعطاء)(9).
هـ ـ البذل بإخلاص وتفان، وعدم التطلع إلى الوجاهة والنفوذ؛ بمعنى أن تأثره بالدافع الداخلي (كالرغبة في الإسهام والعطاء، تحقق الذات، لذة الاكتشاف، والانجذاب المعرفي ونحوها) أكثر من الدافع الخارجي (المال، الشهرة، المنصب ونحوها).
هل يلزم توافر هذه السمات جميعها في الإنسان حتى يكون مبدعاً؟
بالنسبة للخصائص العقلية يلزم توافرها كلها بدرجة معقولة، أما الخصائص الأخرى فيكفي أغلبها.. وأظنك الآن قادراً على تحديدها.