تحامل المبدع على مجتمعه: بين الحقيقة والوهم:
يعتقد البعض أن المبدع لا بد أن تنطوي نظرته إلى المجتمع بمنظوماته المختلفة (المدرسة، المصنع، الشركة،... أو حتى المجتمع الكبير) على تحقير وازدراء، ينشأ معهما انكفاء على الذات قد يستحيل بعد فترة تطول أو تقصر إلى انطوائية تحمل بذرات عدائية، ويقول بعضهم: (يبدو لنا في كثير من الأحوال أن علاقة المبدع بواقعه لا تخلو من التوتر والصراع)(13)، كل هذا يحدث على حد هذا الاعتقاد بسبب:
* عدم تحقيق المجتمع للذات المبدعة وتهميش الأفكار غير المألوفة التي تنبثق منها ويتبنى المبدع الدعوة إليها أو طرحها.
* أو لسوء المعاملة من قِبَل أفراد أو مؤسسات المجتمع.
* أو لتخلف مناهج التفكير، أو للسطحية الثقافية.
ويخسر المجتمع من ثَـمّ ذلك المبدع وإنتاجه الخلاق.
وبتأمل ذلك الاعتقاد مع الاعتراف بوجود شيء من تلك الممارسات الجائرة التي يتعرض لها مبدع أو آخر، يتبين لنا مدى مجافاته للحقيقة وشططه عن الصواب وذلك:
* لأنه لم يُبنَ على دراسة علمية أو استقراء شامل للمبدعين الحقيقيين.
* لأنه انبثق من بيئة عقدية وثقافية تصادم بيئتنا العقدية والثقافية، كعبارة أرسطو: (إن المزاج السوداوي شرط لا بد منه للموهبة الخارقة)(14).
* إن المـبـــدع الحقيقي هو من ينبثق من مجتمعه المسلم منتمياً له، معايشاً لهمومه، رافضاً لأوجه الانحطاط العقدي والتأزم الثقافي.
* إن المبدع الأصـيـــــل هو من يتسم بالموضوعية في التفكير، والاعتدال في الحكم، فهو لا يشتط في حكمه على مجتـمـعـه ـ الصغير أو الكبير ـ، فإن كان ثمة ظلام فلا بد أن يختلط بضياء... وإن كان ثمة تخلف فـــلا محالة أن يمتزج بتقدم... وإن كان ثمة قسوة فلا جدل أن يتخللها عطف... وإن كان ثمة يأس فلا شك أن يغالبه تفاؤل...
* إن المبدع الحقيقي هو من يشعر بمـســؤولـيـتـه إزاء النهوض بمجتمعه؛ فالنهوض هو ما يدفعه إلى التألق في سماء الإبداع والإبحار في عالم المبدعين.
مناقشة التطبيقات العملية:
التطبيق الأول: (زيادة استهلاك إطارات الشاحنات):
أظنك قد توصلت إلى أن المشكلة تتمثل بالخـســـارة المترتبة على تغيير الإطارات في فترات قصيرة جداً، وذلك بسبب بيع السائقين للإطارات (سرقتها)، ولذا فيكمن الهدف في توفير تلك المبالغ من خلال إيجاد آلية تمنع السائقين مــن بيعها، وبعد قيامك بمثل هذا التفكير قد تتوصل إلى الحلول الجيدة التالية).
1- تحديد فترة زمنية معينة (6 أشهر مثلاً) كحد أدنى للاعتراف بتلف الإطارات.
2- مطالبة سائقي الشاحنات عند تلف الإطارات بتقديم الإطارات التالفة كشرح للاعتراف بذلك.
3- استبدال السائقين الحاليين بآخرين أكثر أمانة.
وربما تكون قد توصلت إلى أشباهها، ومــع جــــــودة مثل تلك الأفكار واحتمال مناسبتها للمشكلة، إلا أنها تظل حلولاً تقليدية، يستطيع الكثير منا أن يحدد العشرات منها،ولكننا نبحث هنا عن حلول إبداعية، لا أدري إن كنت قد توصلت إلى واحد أو أكثر منها!!
ما رأيك بالحل التالي:
يجــــب أن تقوم الشركة بتوفير إطارات لشاحناتها غير متوفرة في السوق... لماذا؟! لإزالة الفرصة التي تمكن السائقين من بيع الإطارات.
ألا توافق على أن هذا الحل إبداعي في حالة كونه ممكن التنفيذ، ومعقول التكلفة؟
ألا تلاحظ أنه يتميز على الحلول الأخرى؟
ألا تلاحـــــظ أن هذا الحل تجاوز بعض الأقفال الذهنية (الحدود المتوهمة)... كالقفل (كن عملياً)... إن الـكـثـيـر مـنـا قد يعيقه هذا القفل عن الوصول إلى مثال هذا الحل بحجة أنه يجب توفير الإطارات مما هــــو متوفر في السوق، مع أنه قد تتمكن الشركة من استيراد ما تريد من إطارات من الخارج.. وهــذا عـيـن مـــا حصل واقعاً في تلك الشركة... فهنيئاً لها إبداعها...
إن هذا الحل لا يعدو أن يكون حلاً إبداعياً من سلسلة طويلة من الحلول الإبداعية.. فأرجـو أن تكون قد لامست أحدها.. وإلا فيمكنك أن تعيد المحاولة، وأظنك بتوفيق الله ـ تعالى ـ ستنجح....
التطبيق الثاني: (تطبيق الدوائر التسع):
إن من لم ينجح في تجاوز القفل الذهني (التزم القواعد)،... كأن يكون حبيساً للمربع الذي وضعت فيه الدوائر التسع... فإنه لن يعثر على حل لهذا (اللغز الغامض)!!
من قال لك لا تخرج من قبضة ذلك المربع؟!.. من قال لك لا تتجاوز حدوده؟! من أخبرك أن الالتزام بمثل تلك الحدود من (اتباع القواعد)... لا أحد!! غير ذلك القفل!
لقد عرفت سابقاً أن من لوازم الإبداع الانطلاق (التفكير المنطلق) الذي لا يحده شيء... (إلا الضوابط الشرعية)...
هنيئاً لـك بالإبــــداع إن كنت قد تجاوزت ذلك القفل... ومرحباً بك إن عزمت على نزعه مستقبلاً...
أما الحل بل الحلول فكما يلي:
(راجع الملف المسمى شكل 133-1.bmp على اسطوانة البيان) .
إذاً بالإبداع نظفر بحلول رائعة لمشكلات قد يحكم عليها البعض بأنها (معضلات تستعصي على الحل)، ومن ثم المطالبة بضرورة الاستسلام والتكيّف معها!!
وأخـيراً أرجـــــو أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع الخطير، وأن يساهم في إكساب المنهجية العلمية في التفكير والإبداع،..
وختاماً: لنتذكر جميعاً مرة بعد أخرى:
أن التفكير السديد المنتج مهارة يكسبها التعلم، وعادة يصنعها التدرب