كثيراً ما يبحثُ أولياءُ الأمورِ عن نهجٍ يتبعونهُ في تربيةِ أبنائهم، يضمنُ لهمْ أنّ يكونَ أبناؤُهم على خلقٍ قويمٍ وقيمٍ ذاتيةٍ راقيةٍ وهدفٍ سامي، فيبحثونَ عن ضالتهم بين الكتبِ التي تحوي نظريات العلماءِ وآراءِ الفلاسفةِ، وأحياناً ينشدونها بينَ التراثِ القديمِ وأقوالِ الآباءِ والأجدادِ وفي ضخمِ العاداتِ والتقاليدِ، وينسونَ إرثنا الخالدَ إلى ما شاءَ الله وهو القرآنِ الكريمِ.
فها نحنُ اليومَ بين أيدينا ثمانيةَ آياتٍ فقط من سورةِ لقمانِ حملتْ في معانيها أسساً تربويةً تعتبرُ منهجاً فريداً في التربيةِ، فما بالكَ لو جعلنا القرآنَ الكريمَ كلهُ منهجنا !!!

بدأَ لقمانُ الحكيمِ موعظتهُ لابنه بعدمِ الشركِ باللهِ لانّ اللهَ تعالى يغفرُ جميعَ الذنوبِ إلا هذا الذنبِ لا يغفرهُ اللهُ لصاحبهِ، كما جاءَ في القرآنِ الكريمِ قال تعالى (إنّ اللهَ لا يغفرُ أنّ يشركَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكِ لمنّ يشاء). ومنْ ثمَ انتقلْ لقمانُ بوصيتهِ المرتبةِ حسبَ تعاقبِ أهميةِ الأمورِ إلى الوالدين فهو ينبهنا إلى فضلهما وحقهما علينا وبالتالي ضرورةِ الإحسانِ لهما وطاعتهما في ماعدا معصيةِ الخالقِ، قالَ تعالى: (لا طاعةِ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ)، ومع هذا يأمرنا اللهُ سبحانهُ وتعالى في حال أنّ امرنا احد الوالدين بمعصية أن لا نطيعه فيها ولكن يبقى لهما علينا حقهما كوالدين.
ومن ثم يتجهُ لقمانُ بوصيتهِ إلى أهمُ العباداتِ وعمادِ الدينِ وهي الصلاةِ وأداؤها بجميعِ واجباتها من حدودها وأوقاتها وركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها، وانطلاقاً من قولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (من لم تنههُ صلاتهُ عن الفحشاءِ والمنكرِ فلا صلاةَ له)، فإنّ المسلمَ المقيمَ صلاتهِ بشكلٍ تنهاهُ فيهِ عنِ الفحشاءِ والمنكرِ بإمكانهِ أنّ يأمرَ بالمعروفَ وينهى عنِ المنكرِ بقدرِ استطاعتهِ باليدِ أو باللسانِ أو بالقلبِِ وهو أضعفُ الإيمان، وأيضاً بإمكانهِ الصبرِ على ما قد يصيبهُ من أذى في سبيلِ ذلك.
ومن ثم توجهَ لقمانُ بنصائحهِ إلى الأخلاق العامة، فنهى عن التكبرِ والتبخترِ في المشيِ على وجهِ التعظيمِ والفخرِ على الناسِ، ونهى أيضاً عن التباطؤ في المشيٍ أو الإسراع فيه ولكن بين ذلك قواما، وعدم رفعِ الصوتِ تكلفاً