وهذا مقال آخر بقلم الكتور زاهى حواس

آثار و أسـرار .....سيوة‏..‏ وأخواتها العشر‏!‏

‏يبـدو أن المقالات التي نشرتها عن سيوة الجنة المفقودة علي هذه الصفحة، قد جعلت العديد من المصريين يسرعون الي زيارة سيوة، لقد كان هدفي من نشر هذه المقالات، أن نتعاون مع الوزيرة فايزة أبوالنجا وزيرة الدولة للشئون الخارجية، كي نحافظ علي خصوصية هذه الواحة،‏ لأنها تختلف اختلافا تاما عن أي مدينة أو قرية في وادي النيل، لأنك لو زرت الواحة سوف تري فنونا ومنازل ولغات وعادات وتقاليد لها خصوصيتها، بل ان الحياة خارج وداخل الواحة شيء فريد غير موجود في أي بقعة علي أرض مصر‏.‏
والكثيرون منا لا يعلمون أن سيوة يجاورها أكثر من عشر واحات صغيرة غير معروفة، كل واحدة من هذه الواحات لها خصوصيتها،‏ وهناك العديد من العلماء الذين لايعرفون مكان هذه الواحات الصغيرة، فعندما كنت أقوم بالحفائر في الواحات البحرية التي كشفنا بها عن وادي المومياوات الذهبية الذي يعتبر ـ كما اشارت بذلك الصحف العالمية ـ توت عنخ آمون العصر اليوناني الروماني، وكشفنا كذلك عن مقبرة حاكم الواحات البحرية وزوجته والتي تعود الي نحو‏500‏ قبل الميلاد، ومازالت رمال الواحات البحرية تخفي العديد من الأسرار‏، وخلال وجودي بالواحات البحرية كنت أتعجب من بناء معبد الاسكندر الأكبر بها‏، والذي صور داخل قدس الاقداس وهو يقدم القرابين الي الإله آمون( الصنم) ، وفي تلك الفترة حصلنا علي مرشد من أجل القيام برحلة شاقة وممتعة في طريق غير ممهد مليء بالمطبات واستغرقت هذه الرحلة نحو ثماني ساعات، رغم ان المسافة لاتزيد علي‏180‏ كيلومترا، وقد قرأت في الصحف أن هذا الطريق جار رصفه الآن، وهذا ما أخشاه لأنه سوف يجعل الافواج السياحية والمواطنين ينهالون علي الجنة المفقودة، واحة سيوة‏.‏
تقع واحة سيوة في الطرف الجنوبي الغربي من محافظة مرسي مطروح، وعلي مسافة‏300‏ كيلومتر من مدينة مرسي مطروح، وهي اقرب واحة بمصر لحدود الجماهيرية العربية الليبية، وايضا شاطيء البحر الأبيض المتوسط‏.‏
أما عن أصل كلمة سيوة فيصعب تحديدها، فنجد بعض الكتاب والمؤرخين اليونان والرومان قد أشاروا إليها في كتاباتهم علي أنها واحة جوبتر ـ آمون، نسبة الي وحي الإله آمون، الذي كان موجودا بها، كما ورد ذكرها في كتابات العرب تحت اسم سنتريه نسبة الي المدينة سنتربيه التي يتكلم أهلها اللغة السيوية‏.‏
ويربط سيوة بالواحات البحرية والسلوم والفيوم مجموعة من الطرق الصحراوية، كما يربطها بمدينة مرسي مطروح طريق يعرفه البدو باسم درب المحصحص، وهذا هو نفس الطريق الذي سلكه الاسكندر الاكبر لزيارة معبد الوحي للإله آمون، ويربط سيوة بمنف طريق يمر عبر واحة ام الصغير ويخترق منخفض القطارة حتي يصل الي وادي النطرون ومنه الي منف، ويعتقد البعض أن هذا الطريق قد سلكه الاسكندر الأكبر أثناء رحلة عودته من سيوة إلي منف، رغم أنني اؤكد ان الاسكندر قد اخترق الصحراء الي الواحات البحرية، وبعد ذلك سافر الي منف واستقر هناك شهرا كاملا‏.‏ ويعتقد البعض أن تاريخ سيوة يبدأ فقط مع بناء معبد الوحي للإله آمون، ولكن تاريخ الجنة المفقودة يعود الي عصر ما قبل التاريخ، حيث عثر علي بعض الأدوات الظرانية بها والتي تعود لفترة ما قبل التاريخ، هذا ولم يعثر علي آثار تعود الي الفترات التاريخية والفرعونية، وهذا يؤكد أن الوجود المصري لم يظهر خلال عصر الدولة القديمة والوسطي والحديثة‏.‏
ونستطيع القول إن اهم فترة ازدهرت فيها الواحات، كانت خلال الاسرة‏26‏ والعصر الروماني، وذلك لحدوث تحولات في العالم القديم تمثل اهمية خاصة، من بينها تحركات أشور واحتلالها لمصر، وربما كان ذلك دافعا قويا لحكام مصر للالتفات باهتمام لحدود مصر الغربية خاصة تأمين الحدود، حيث انه من المعروف أنه كان هناك اتصال وثيق بين وادي النيل والواحات عموما، خاصة الواحات البحرية وسيوة في هذه الفترة‏.‏
ويعد عصر الملك أحمس الثاني امازيس‏(569‏ ـ‏526‏ ق‏.‏م‏)‏ عصرا ذهبيا بالنسبة للواحات، فقد كان يصبو للسيطرة عليها لأنها المفتاح الخارجي لمصر من الجهة الغربية، خاصة طرق القوافل الذاهبة الي بلاد النوبة والسودان، ومن أجل ذلك عمل علي أن تكون هذه النقاط الاستراتيجية والتجارية في الصحراء تابعة له، ولذلك سعي أمازيس في أن يوليها عنايته واهتمامه، ويعمل علي توفير الأمن والثراء في ارجائها حيث اقام الحصون لصد اعداء مصر من الحدود الغربية، كما اقام أمازيس معبد الوحي‏.‏ واعتقد أن سيوة كانت مجهولة تماما للمصريين خلال العصور الفرعونية كما ذكرنا، وان خط الدفاع الخلفي لمصر كان تتم حراسته عن طريق مرسي مطروح، وقد عثر أخيرا علي تمثال جميل للقائد نب ـ رع، الذي كان مسئولا عن القاعدة العسكرية التي تحمي مصر من الغزوات التي تأتي من ليبيا، وسوف يعرض هذا التمثال بمدينة الاقصر من خلال معرض الجيش في عصر مصر الذهبي‏.‏
وتوجد في سيوة مجموعة من المقابر والتي ذكرنا أنها تقع في منطقة تعرف باسم جبل الموتي وتؤرخ بالفترة ما بين القرنين الرابع والثالث ق‏.‏م، وتلك المقابر تمت اعادة استعمالها خلال العصرين اليوناني والروماني، وهي تبعد بنحو كيلومترين عن مدينة سيوة، وقد جاء هذا الكشف نتيجة هروب اهالي سيوة الي الجبل خلال غارات الحرب العالمية الثانية‏.‏




ومن أهم المقابر الموجودة بجبل الموتي، مقبرة تعرف باسم مقبرة التمساح، وقد عرفت بهذا الاسم نظرا الي تهشم اسم صاحب المقبرة ولاعجاب اهالي سيوة بمنظر التمساح الذي يمثل موقعا بارزا في المقبرة، وكان قد عثر علي هذه المقبرة في عام‏1940‏ م وهي من أهم المقابر المنقوشة بالجبل، وتزخر المقبرة بمناظر كتاب الموتي، ومناظر أخري لصاحب المقبرة، وهو يتعبد لبعض الآلهة، وعلي جانب المدخل صور ثلاثة آلهة ممسكين بالسكاكين وذلك لغرض حماية صاحب الجثمان‏.‏
وكذلك يوجد بالموقع مقبرة سي ـ آمون وهي أهم وأجمل مقبرة في واحة بالصحراء الغربية، عثر داخلها علي عدد كبير من المومياوات، وتمثل هذه المقبرة التزاوج بين الفن المصري القديم والفن اليوناني، ويبدو أن صاحبها من اصل يوناني تزوج من مصر واستقر بها، ومن أهم مناظرها منظر قاعة محكمة أوزيريس، ومناظر للإلهة نوت ربة السماء، كما يوجد بالموقع مقبرة بي بر با تحوت، وكان هذا الرجل كاهنا للإله لأوزيريس حصل علي لقب العظيم في مدينة العادل والمستقيم، وبالمقبرة نص كبير عبارة عن نشيد موجه للإله تحوت، الي جانب منظر لطقسة دينية تعرف باسم سحب الثيران الأربعة‏.‏
وأخيرا، هناك مقبرة مسو ايزيس، التي يوجد بها نص يصف الإله أوزيريس باسم الإله العظيم المبجل في ثات، وربما يكون ثات هو الاسم القديم لسيوة، كما يوجد أيضا المعبد الثاني للإله آمون في ام عبيدة، وهو يقع بالقرب من معبد الوحي، وتم تشييد هذا المعبد في عهد الملك نختانبو الثاني‏(360‏ ـ‏343‏ ق‏.‏م‏)‏ احد ملوك الاسرة الثلاثين، إلا أن زلزال عام‏1881‏ م تسبب في تدمير هذا المعبد، ومن اهم مناظر المعبد تصوير ون آمون حاكم سيوة راكعا أمام الإله آمون‏.‏ وعلي بعد نحو خمسة كيلومترات جنوب المدينة، توجد مقابر منحوتة في الصخر في منطقة تعرف باسم جبل الدكرور، اهمها مقبرة نحتت في وسط التل وبها ستة أعمدة ومدخلها تجاه الغرب، كما توجد أيضا منطقة تعرف باسم منطقة الراقي تقع غرب الواحة، وكانت مشهورة بخصوبتها ولاتزال مشهورة بجودة مراعيها، وهذه المنطقة تضم عشرات المقابر المنقورة في الصخر، وقد استوطن الاهالي هذا الموقع لفترة طويلة في العصرين الروماني والمسيحي، كما يوجد بالمنطقة أيضا بقايا معبد شيدت اعمدته علي الطراز الدوري، وهذا هو المعبد الذي كشفه العالم الألماني شتيندروف‏Steindorff,‏ الذي اعتقدت المغامرة اليونانية انه معبد الاسكندر الأكبر‏.‏ ويبدو أن اهالي سيوة كانوا متعصبين للواحة ولا يريدون دخول دين جديد للمنطقة، .