قبل التطرق إلى مفهوم التقسيم الدولي للعمل يجب معرفة حوصلة عامة حول الاقتصاد الدولي المعاصر. لأن الاقتصاد الدولي يعتمد على تقسيم مبدئي للعمل، فالاقتصاد الدولي المعاصر هو مجمل النظام الاقتصاد الذي يحتوي اقتصاديات المجتمع الإنساني في حركت منذ الحرب العالمية الثانية بما تضمنه هذه الحركة من محاولات من جانب مجتمع أو آخر أما للتحول نحو تنظيم اقتصادي آخر أو لتحسي أوضاع الاقتصاد الوطني في إطار حرة التنظيم الاقتصادي الدولي القائم، هذا التنظيم القائم هو تنظيم رأسمال يمثل في وضعه الراهن نتاجًا لعملية التطور الرأسمالي على الصعيد العالمي بدأت في مجتمعات أوروبا الغربية كبلورة تاريخية لإنجازات كل تطور المجتمع البشري بالساهمات الحضارية المختلفة لأجزائه في المجتمعات السابقة على الرأسمالية واتجهت نحو العالمية منذ القرن السابع عشر(17) على الأقل ودارت حول تركيم رأس المال على الصعيد الدولي الذي يخلق عملية إنتاج دولية من خلال تقسيم عمل المجتمع الدولي بين الدول وفقًا لأنماط تختلف عبر تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي وبالتالي فالاقتصاد الدولي قد قام من خلال عملية احتواء الاقتصاديات السابقة على الرأسمالية خارج أوروبا الغربية، أولاً في السوق التجارية الدولية ثم بغرض نوع من تقسيم العمل الدولي، بمقتضاه تقوم عمليات الإنتاج أو على الأقل الجوهرية منها في البلدان المتخلفة على التخصص في نوع من الإنتاج، تخصصًا يستتبع في مرحلة تالية قيام التبادل الدولي وتتحول كل الاقتصاديات تدريجيًا إلى اقتصاديات مبادلة وتخلق السوق الدولية خاصة مع تخصص أوروبا الغربية في الإنتاج الصناعي، ونكون بصدد ظاهرة تبدأ في السيادة على الصعيد العالمي هي ظاهرة تقسيم العمل الدولي حيث يقسم العمل بين بلدان المجتمع الدولي.
الفصل الأول: نمط تقسيم العمل الدولي
المبحث الأول: تعريف تقسيم العمل الدولي
تقسيم العمل دوليا يعني تدويل عملية الإنتاج، أي دخول الاقتصاديات المكونة للمجتمع العالمي في عملية إنتاج تحتوي عمليات الإنتاج في البلدان المتخلفة بخصوصياتها المختلفة مع ربطها بنوع آخر من التخصص في إنتاج منتوج أو أكثر يوجه أساسا للسوق العالمية.
المبحث الثاني: تطور ظاهرة التقسيم الدولي للعمل
أولاً: ما كاد القرن التاسع عشر (19) يقارب بنهايته حتى بدأ يتبلور نمط لتقسيم العمل الدولي على أساس تخصص البلد في عملية إنتاجية كاملة أي قيام البلد بجزء من العمل الدولي يتمثل في إنتاج سلعة بكل العمليات التي يستلزمها إنتاج هذه السلعة.
وقد أدى هذا النمط من تقسيم العمل على الصعيد الدولي إلى تقسيم الاقتصاد الدولي إلى اقتصاديات أصبحت متخلفة تتخصص في إنتاج وتصدير قوة العمل.
أما الاقتصاديات التي أصبحت متقدمة فتتخصص بصفة عامة في إنتاج السلع الإنتاجية الصناعية الأساسية كما تختص نفسها في إطار التقسيم الدولي للعمل بجل نشاطات البحث العلمي والبحث التكنولوجي لتصدير جزء من المعارف العلمية والتكنولوجية الناجمة عنها إلى البلدان التي أصبحت متخلفة إنما بالقدر اللازم لقيامها بدورها في هذا النمط لتقسيم العمل الرأسمالي الدولي.
ثانيًا: وقد تطور هذا النمط لتقسيم العمل الدولي حتى الحرب العالمية الأولى وأدى إلى خلق اقتصاد عالمي يحتوي على شكل تاريخي من أشكال تدويل الإنتاج من خلال قطبين متناقضين مكونين للإقتصاد الرأسمالي: الاقتصاديات التي أصبحت رأسمالية متقدمة والاقتصاديات التي أصبحت رأسمالية متخلفة تحتويها من ثم عملية تراكم رأس المال واحدة على الصعيد العالمي ويتم التبادل بينهما من خلال سوق عالمية واحدة، ما زالت تعرف الحواجز عن طريق الخصوصيات الاجتماعية والقومية للمجتمعات عن طريق الصراع بين أجزء رأس المال الدولي الساعية، كل على حدة إلى السيطرة على أكبر جزء ممكن من السوق العالمية.
ثالثًا: إن تغير الهيكل الصناعي في الأجزاء المتقدمة من العالم الرأسمالي بتراجع بعض فروع النشاط الصناعي التي كانت رائدة في مرحلة أولى من مراحل التطور الصناعي كصناعة المنسوجات والفحم وحتى الحديد والصلب...الخ.
وظهور فروع إنتاجية صناعية أخرى أصبحت فروع رائدة في مرحلة ثانية من مراحل التطور الصناعي في الأجزاء المتقدمة من العالم الرأسمالي، يمكن لنمط تقسيم العمل الدولي أن يتغير نحو قيام بعض الصناعات التي تتراجع أهميتها النسبية ويصيبها الوهن في الاقتصاديات المتقدمة وفي الاقتصاديات المتخلفة، وتقوم في البلدان الأخيرة بواسطة رأس المال الأجنبي والوطني نظرًا لوجود شروط محلية مواتية لإقامة هذه الصناعات أهمها:
v وجود طلب محلي (سوق) على منتجاتها خلق تاريخيًا من خلال الاعتياد على شراء هذه كمنتجات كواردات من الخارج.
v وجود قوة عاملة محلية أجيرة رخيصة نسبيًا أصبح من الممكن أن تقوم بنوع من النشاط الصناعي لا يستخدم فنون إنتاجية معقدة.
v توفر مواد أولية تنتج محليا عادة ما كانت تنتج للتصدير في المرحلة السابقة.
v وجود كل هذه الشروط في ظرف تاريخي يضعف من السيطرة المباشرة لرأس المال الأجنبي في داخل الإقتصاد المتخلف بسبب حرب عالمية أو أزمة إقتصادية دولية ولم تتغير إعادة توزيع بعض عمليات الإنتاج الصناعي دوليًا من نمط تقسيم العمل الدولي الذي تبلور منذ منتصف القرن (19)، إذ يبقى التخصص الدولي في شكل تخصص الدولية الواحدة في إنتاج سلعة كاملة أو أكثر تعد للتبادل الدولي، وهو ما يعني استمرار شكل تدويل الإنتاج القائم على هذا النمط لتقسيم العمل الدولي.
رابعًا: ومع الوعي بآثار النمو الرأسمالي المدمر للبيئة في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة بدأت بعض الصناعات الملوثة للبيئة تنضم إلى نوع الصناعات التي يمكن أن تقوم في الاقتصاديات المتخلفة أو على الأقل المراحل من هذه الصناعات التي تلوث البيئة.
خامسًا: منذ الحرب العالمية الثانية نلاحظ الاتجاه نحو نمط مركب لتقسيم العمل الدولي وإنما في اتجاهه نحو سيطرت نمط جديد لتقسيم العمل الرأسمالي على الصعيد العالمي إذ بعد أن شهد الاقتصاد الرأسمالي انتشارًا؛ شكل تاريخي لتقسيم العمل في داخل المشروع الرأسمالي متمثلا في تقسيم عملية إنتاج سلعة واحدة أي ناتجًا كاملا إلى عدد من العمليات الصغيرة تتخصص في القيام بكل منها عامل أو عدد من العمال ليصبح بذلك نمط تقسيم العمل الذي يسود
ي داخل الوحدات الإنتاجية في كل قطاعات النشاط الاقتصادي في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة، نقول بعد سيطرت هذا النمط في داخل الوحدات الإنتاجية بدأ منذ الحرب العالمية الثانية في الانتقال إلى مستوى الاقتصاد الدولي.
بمقتضاه يكون تخصص الدول أو على الأقل بعض الدول في القيام بجزء من عملية إنتاج سلعة واحة وتنتج الأجزاء الأخرى في بلدان أخرى الأمر الذي يثير مسألة عملية تجميع هذه الأجزاء لإنتاج الناتج الكامل ومن ثم إمكانية اختصاص بعض البلدان في عملية التجميع هذه.
المبحث الثالث:إمكانية انتقال بعض المشروعات إلى أقاليم دول أخرى
هذا النمط من تقسيم العمل الدولي يثير إمكانية انتقال بعض المشروعات إلى أقاليم دول أخري انتقالاً تحدده اعتبارات اقتصادية واعتبارات مالية واعتبارات الأمان الاجتماعي واعتبارات إستراتجية السياسة على الصعيد العالمي .
1) اعتبارات إقتصادية: توفر المادة الأولية أو القوة العاملة الرخيصة نسبيً أو مصدر الطاقة المحركة.
2) اعتبارات مالية: توفر رأس المال النقدي المعد للإقراض، توفر المعاملة المالية المواتية.
3) اعتبارات الأمان الاجتماعي: البعد عن الأماكن التي تزداد غيها قوة التنظيمات النقابية والسياسية للعمال.
4) اعتبارات استراتيجية السياسة على الصعيد العالمي.
ويتأكد هذا النمط الجديد لتقسيم العمل الدولي وإنما لا يزال يتشابك مع النمط السابق.
المبحث الرابع: كيف يمكن لتقسيم العمل أن يقوم دوليًا
لكي يمكن لتقسيم العمل أن يقوم دوليًا في شكل جديد لا بد من تغلغل القوة الاجتماعية الجديدة، رأس المال، في المجتمعات التي لم يتطور فيها الاقتصاد السلعي بعد شكل كاف: تغلغل رأس المال لتحويل اقتصاديات هذه المجتمعات إلى اقتصاديات سلعية، أي اقتصاديات السوق، من خلال بلورة الملكية الخاصة فيها وخاصة لوسائل الإنتاج الأساسية وعلى الأخص الأرض التي تتحول بدورها إلى سلعة، تلك الحقيقة لا يدركها الكلاسيك، بهذا الوضوح وإنما يمكن أن تستشف مما كتبه آدم سميث عن المستعمرات عند تقديمه للأنظمة النظرية.
مع تحيات\ احمد الموافى الامام
مواقع النشر (المفضلة)