"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"
سورة الأعراف الآية 199
•روى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله :
" خذ العفو وأمر بالعرف )) قال : " ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس "
• وقال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية
• قال الإمام ابن القيم : ” وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ”
• قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم
• قال الإمام القرطبي - رحمه الله - :
هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
• فقوله: "خذ العفو" دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
• ودخل في قوله: "وأمر بالعرف" صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
• وفي قوله: "وأعرض عن الجاهلين" الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.
• قال أبو بكر بن العربي:-
• – قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات ، قد تضمنت قواعد الشريعة المأمورات والمنهيات ، حتى لم يبق فيه حسنة إلا أوضحتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلا افتتحتها ، وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة
• فقوله : " خذ العفو "تولى جانب اللين، ونفي الحرج في الأخذ والإعطاء والتكليف .
وقوله : "وأمر بالعرف"تناول جميع المأمورات والمنهيات ، وأنهما ما عرف حكمه ، واستقر في الشريعة موضعه ، واتفقت القلوب على عمله .
• وقوله : " وأعرض عن الجاهلين " تناول جانب الصفح بالصبر الذي به يتأتى للعبد كل مراد في نفسه وغيره ، ولو شرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا"
• ما المراد بقوله تعالى : ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الْجَاهِلِين“؟
قوله : ” خُذِ الْعَفْوَ”
قال القرطبي :“ من عفا إذا درس. وقد يقال: خذ العفو منه، أي لا تنقص عليه وسامحه ”
” أي اقبل من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر؛ تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا. ”
قال الطبري :“ تأويـله: خذ العفوَ من أخلاق الناس, وهو الفضل وما لا يجهدهم.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: خُذِ العَفْوَ قال: من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تـجسس أو تـحسس, شكّ أبو عاصم.“
” وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ”
وقال البخاري : باب ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ” العرف المعروف .
قال ابن كثير نقلاً عن ابن جرير : وقد أمر الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يأمر عباده بالمعروف ويدخل في ذلك جميع الطاعات ”
قال ابن القيّم :
” ثم قال تعالى : وأمر بالعرف وهو كل معروف وأعرفه : التوحيد ثم حقوق العبودية وحقوق العبيد ”
” وَأَعْرِضْ عَن الْجَاهِلِين”
قال القرطبي : ” قوله تعالى: "وأعرض عن الجاهلين" أي إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فأعرض عنهم؛ صيانة له عليهم ورفعا لقدره عن مجاوبتهم. وهذا وإن كان خطابا لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه
ما هي العلاقة بين الخصال الثلاثة :
أخذ العفو من الناس
الأمر بالعرف
الإعراض عن الجاهلين
قال بعض العلماء :
الناس رجلان فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه
وإما مسيء فمره بالمعروف
فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعلّ ذلك أن يرد كيده
كما قال تعالى : ” ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما تصفون . وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ”
وقال تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ” أي هذه الوصية
فقد قال بعض السلف : شتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم،
• وبين أقوام أحياء تموت القلوب بمخالطتهم . فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه ، فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ، ومباهاتهم والسلوك أين سلكوا ، حتى لو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخله معهم .فمتى صرف همته عن صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودة ، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم موجودة ،
استحدث بذلك همة أخرى وعملاً آخر ، وصار بين الناس غريباً ، وإن كان فيهم مشهوراً ونسيباً ،
ولكنه غريب محبوب ، يرى ما الناس فيه ولا يرون ما هو فيه ، يقيم لهم المعاذير ما استطاع ويحصنهم بجهده ، وطاقته .
سائراً فيهم بعينين
عين ناظرة إلى الأمر والنهي . بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ، ويؤدي لهم الحقوق ويستوفيها عليهم .
وعين ناظرة إلى القضاء والقدر ، بها يرحمهم ويدعولهم ويستغفر لهم ، ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر ولا يعود بنقض شرع ، وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته
ومجمل القول فى قوله تعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " . متدبراً لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم . فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم ، فإن العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طباعهم ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم، فهذا ما منهم إليه .
فأمرهم بالمعروف ، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به
وأما ما يتقى به أذى جاهلهم فالإعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها .
فأي كمال للعبد وراء هذا ؟
مواقع النشر (المفضلة)