قد يتساءل العديد من القراء، عن السبب الذي يجعلنا نؤكد عبر عدد كبير من المقالات والمحاضرات، على اهمية الجودة في التعليم العالي من حيث كونها الوسيلة التي تلبي احتياجات الطالب والمربي والسوق والدولة من خلال مجموعة من المواصفات الاكاديمية والخصائص والمهارات التي لابد توفرها في الطالب لكي يستوفي احتياجات المجتمع عند تخرجه. السبب يكمن في اعتبار الجودة ركيزة اساسية للإدارة الناجحة في مجال التعليم الاكاديمي، وبدونها لا يمكن تحقيق طفرة نوعية او تطوير في التعليم، ومع ذلك لا تُعطى القدر الكافي من الاهتمام والجدية من قبل الاداريين والاكاديميين في الجامعات.
والمهم أيضا، انه نظراً للتغيرات المستمرة والسريعة لاحتياجات الجامعة والسوق في ظل العولمة والمنافسة المحلية والعالمية للتعليم العالي، لابد للجامعات المحلية ان تتكيف بوسائل عديدة مع هذه التغيرات لتعزيز قدرتها في انتاج الكفاءات، ولسد احتياجات المجتمع.
شروط تحقيق الجودة
لن اخوض في تفاصيل جودة التعليم، ولا في الاسباب التي تعرقل تطور الجامعة، ولكني سأتطرق الى بعض النقاط الاساسية التي من شأنها ان تساعد الجامعات في تطوير برامجها وتحسين النوعية، والتي برأيي يجب وضعها على الطاولة ومناقشتها على اقل تقدير، ولكن قبل كل شئ، يجب التنويه الى أني لا اعمم ولا اتهم. هنالك جدل في الجامعات حول الموضوع بين معارض ومؤيد، وهو جدل صحي وشرعي، وهناك تخوف من ان تطبيق نظام الجودة غرضه معاقبة الاستاذ، ومع هذا فهناك ايضا لا أبالية، وعدم اكتراث بالموضوع بين صفوف الادارات الجامعية تعود بالأساس الى عدم فهم نظام الجودة، وعدم تقدير اهمية دوره في انقاذ الجامعات من خطر الانزلاق الى ركود مزمن، خصوصا ان تقاليد العمل الاكاديمي التي نشأت ايام الحصار، والعزلة الدولية لا تزال تفرض اليوم هيمنتها، وتؤكد قبولها من قبل الهيئات التدريسية والطلبة على حد سواء.
دعني أؤكد على ثلاث حقائق تتعلق بكيفية الحفاظ على مستوى جيد من التعليم وعلى تحسين الجودة، وهي:
1- ليس هناك اي بلد او تجربة يتم فيها الحفاظ على الجودة عن طريق الابقاء على الوضع الراهن اي بتجنب التحديث والتغيير. نحن بحاجة الى تعطيل مفعول المعتقدات التقليدية وعدم التهاون في تطبيق اسس نظام الجودة. اننا في الواقع نحتاج الى اصلاح جذري لنظام التعليم العالي برمته. هذا ما اكدت عليه في السابق وساظل اؤكد عليه حتى يسمعني اصحاب القرار.
2- لا توجد اية جامعة في العالم تريد المحافظة على الجودة او تحسينها من دون مشاركة كل تدريسي وباحث وموظف في العملية، وان يكون لديهم درجة عالية من المسؤولية، وعليهم تقع مساءلة حقيقية بما يتعلق بتعليم وتعلم الطلاب فلا يكفي ان تقع هذه المسائلة على عاتق رئيس الجامعة ومدير الجودة والعمداء ورؤساء الاقسام.
3- لا يمكن لأية هيئة، او جهاز للجودة في الوزارة، او في الجامعات من ادامة مستوى معين من الجودة او تحسينها من خلال الاعتماد فقط على تقبلها او الامتثال بها. يجب علينا التصدي لمهمة تحديد الاهداف وقياس النتائج ومقارنتها بنتائج الجامعات العالمية.
عوائق تحقيق الجودة في الجامعات
التعليم العالي في الدول العربية مثله مثل التعليم العالي في الدول النامية، يعاني من مشاكل كبيرة وعوائق تحد من تطوره، وتحديات صعبة نتيجة زيادة الاقبال عليه في ظل شحة الموارد البشرية والمادية على الرغم من وجود نوايا طيبة ورغبة بتقديم اعلى جودة من التعليم ولجميع الطلاب. ومن الصعوبة تحديد هذه المشاكل والصعوبات والتحديات وإيجاد الحلول لها من دون وجود دراسات جدية وشاملة لواقع التعليم العالي بين فترة وأخرى كما هو الحال عليه في كل دول العالم. وفيما عدا تقارير لجنة اليونسكو لتقييم الجودة في الكليات الهندسية وتقرير مختصر للبنك الدولي قدم في 21 تشرين الثاني 2011، ومستندا على تحليل موقعي مقدم من قبل الحكومة ، لا توجد دراسة شاملة معاصرة لواقع التعليم العالي. ولقد كنت قد كتبت ملاحظاتي حول التقرير (3)، تناولت فيه المواضيع التي طرحت في التقرير، أعيد نشر تلك النقاط التي اكد عليها التقرير والتي تتعلق بنوعية وجودة التعليم والتعلم والمرافق الاكاديمية، وإدارة نظام التعليم العالي، وهي:
1- نسبة التسرب والرسوب عالية، مما يشير ذلك إلى ضعف كفاءة نظام التعليم الجامعي.
2- لا تعد المباني والمرافق كافية او مناسبة، وهذا ينطبق على الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء.
3- هناك نقض واضح في فرص التدريب لأعضاء هيئة التدريس، وتقتصر هذه الفرص على مجالات التقنيات التعليمية لتيسير التعليم والتعلم، واستيعاب المواد العلمية، وبناء القدرات العلمية.
4- عدد المتخرجين ومستوياتهم ونوعية التخصصات لا تتفق مع احتياجات سوق العمل والتنمية الفعلية للمعرفة ومتطلبات المجتمع، هذا علاوة على ان المناهج لا تواكب مستويات التكنولوجيا الحديثة.
5- اعضاء هيئة التدريس يميلون للتركيز على التدريس أكثر من البحث العلمي، ويقضي هؤلاء أقل من 3% من إجمالي وقت عملهم في البحث العلمي. وتعتبر الموارد المالية المخصصة لإجراء البحوث العلمية محدودة وغير كافية.
6- في المتوسط، يجري كل باحث تدريسي أقل من بحث واحد سنويا. ويعزى هذا المعدل المنخفض لمنتجات البحث العلمي إلى عدم اهتمام الباحثين في النشر العلمي نتيجة لعدم وجود الحوافز الملائمة.
7- تقتصر فرص زيارة الجامعات الأجنبية على أقل من 10% من أعضاء هيئة التدريس لإثراء قدراتهم في مجال البحث العلمي.
8- في الممارسة العملية، الجامعات غير قادرة على ممارسة الحكم الذاتي، بالرغم من وجود المجالس الجامعية ومجالس الكليات، على سبيل المثال، لان سلطات هذه المجالس محدودة.
9- هناك نقص في التنسيق بين الاقسام والوحدات داخل جهاز وزارة التعليم العالي وأنشطتها وبين الجامعات لتوجيه السياسات والممارسات، مثل تبادل المعلومات الناتجة عن دوائر الدراسات والتخطيط والاحصاء مع المؤسسات الجامعية.
10- عدم وجود نظام شامل، و وظيفي، وفعال لضمان الجودة.
11- نقص في الشفافية.
معالجة المشاكل والنواقص المطروحة اعلاه وتحقيق الجودة في الجامعات يحتاج الى اموال اضافية هائلة، وإلى عمل جاد وحقيقي من قبل الاداريين والتدريسيين داخل وخارج القاعات الدراسية، بعيداً عن مظاهر الدعاية والاستعراضات والتبجح بالانجازات. القدرات الذاتية لمعالجة المشاكل ووضع الحلول الصحيحة محدودة في الوقت الحاضر ومن دون الاستعانة بالقدرات الخارجية والجامعات الغربية ستصبح هدراً للأموال ومضيعة للوقت.
اجراءات تحسين الجودة
ضمان الجودة، وتحسين الجودة، مسؤولية كل فرد في الجامعة وليس فقط مسؤولية قسم الجودة كما بينت اعلاه، وهي عملية مستمرة وليس اجراءات وقت الحاجة، وهي ايضا لا تعني مجرد ارضاء العميد، ورئيس الجامعة، والوزير، وتقديم الشكر والامتنان لهم لما تحقق من "انجازات"، وإنما هي عملية مصيرية تضع المسؤولين والتدريسيين بين خيارين فقط لا غير- اما ان تبقى الجامعات كمصانع قديمة وفي سبات دائم، و إما ان تتطور لتجاري ما يحدث في الجامعات العالمية. ولا أبالغ اذا قلت ان التعليم العالي والبحث العلمي خصوصا، يعاني من ازمة حقيقية وتُظهر الاحصائيات الدولية لمعدل الانتاج العلمي تخلفا مزمنا حتى بالمقارنة بدول المنطقة. هذه حقيقة يجب ان يدركها اصحاب القرار لذا سأعالج هذا الموضوع في مقالة قادمة توضح حقيقة تخلفنا العلمي والمعرفي مقارنة بالعالم.
لقد كتبتُ حول الاجراءات العملية المبتكرة للتعامل مع الصعوبات والمشاكل المذكورة في تقرير البنك الدولي، والتي تدفع بنا نحو تحقيق رؤيتنا في تعليم عالي راق، وتضمنتُ اجوبتي على اقتراحات عديدة من النوع الذي يمكن الشروع في تحقيقه الآن (4)، منها:
1) انشاء وتوسيع برامج واسعة للتطوير الاكاديمي والاحترافي لأعضاء هيئة التدريس،
2) وضع برامج لتطوير العلاقة بين الجامعات والمجتمع والسوق،
3) ترسيخ اسس العلاقات بين الجامعات العربية والجامعات العالمية المتطورة،
4) منح صلاحيات اوسع لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الاقسام،
5) تشكيل هيئة امناء وهيئة مستشارين خارجين لكل جامعة،
6) دراسة امكانية تحصيل اجور دراسية بسيطة حسب امكانيات الطالب،
7) تجهيز القاعات باجهزة عرض حديثة، والمختبرات بأجهزة كومبيوتر، وبرامج توضع في متناول الطلبة بصورة دائمية،
8) الحد من سياسة ترسيب الطلبة والبدء باعتبار نجاحهم هدفا أساسيا للتدريس،
وفي نفس الوقت الذي يتم فيه اتخاذ اجراءات لتطوير العمل الجامعي في السنة الاولى يتم ادخال المرحلة الثانية والتي تهدف الى مساعدة الجامعات في استكشاف الاساليب التي تؤدي الى تحسين جودة التعليم من خلال المراجعة الدورية والتي تتضمن:
1) وضع منهجية لتحليل المبادرات وأفضل الممارسات،
2) استكشاف الصلة بين التعليم والتعلم،
3) دراسة افضل السبل لتقييم نتائج التعليم، وهذه الدراسة تعتزم:
أ*- تحفيز وتشجيع مشاركة المدرسين.
ب*- دراسة التأثيرات الايجابية بداخل الجامعة من قبل لجنة خارجية من الجامعات العالمية.
ت*- تحديد العوامل الرئيسية المعيقة لتطوير اساليب واتجاهات جديدة في التعليم.
ث*- اخذ رأي المدرسين بصورة واسعة.
ج*- تبادل الخبرات مع الجامعات الاخرى في ظل سياق دولي للتعاون.
تحسين الأداء في التعليم والتعلم يجب أن يكون جزءً لا يتجزأ من ثقافة وتقاليد الجامعة، وتنمية الموارد البشرية مهمة اساسية تتطلب نهجا يعتمد على تلاقح الافكار بين المدرسين والإداريين، و الاستفادة من خبرة الجامعات العالمية.
نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والتعلم
ان تحقيق مثل هذه الغاية يتطلب تعيين نائب لرئيس الجامعة، ونواب للعمداء، مسؤولين عن شؤون التعليم والتعلم داخل الجامعة، ولغرض الاتصال وطنيا ودوليا مع الجامعات التي تسعى للتميز في التدريس عن طريق تبادل البحوث التربوية، والتجارب والممارسات الجيدة التي غرضها تطوير ثقافة الجودة في التعليم. ويمكن للاتفاقات الدولية ان تكون قوة دافعة لعملية التعليم والتعلم ، وداعمة للتدريب المهني لأعضاء هيئة التدريس من خلال تدابير مختلفة، تتراوح بين التعليم المستمر لكل تدريسي والتدابير التي تعزز التعاون بين التدريسيين انفسهم، وخاصة في مجال تصميم وتطوير وتنفيذ المناهج وفي تقييم أداء الطالب وفي البحث العلمي. ادارة الجامعة تحتاج الى مثل هذا المركز الاداري العالي لتتمكن من تنفيذ خطط جديدة لتحسين التعليم والتعلم، وربط ذلك بشكل واضح بالأولويات الاكاديمية.
تحتاج الجامعات لكي تتطور وتتأهل لتخريج كفاءات ملائمة لسوق العمل ان يكون اعضاء هيئات تدريسها مؤهلين بقدر كافٍ لأداء مهماتهم الاكاديمية والعلمية والإدارية. يهيمن حملة شهادة الماجستير في معظم الاقسام والكليات في يومنا هذا، بالاضافة الى ان اكثرية حملة شهادة الدكتوراه، والذين لا يشكلون إلا حوالي 30% من مجمل اعضاء هيئات التدريس في الجامعات هم من خريجي الجامعات نفسها. لابد من حل سريع لهذه المشكلة التي نتجت عن سياسة خاطئة وكارثية استجابت الى ضغط من حملة الشهادات العاطلين ومن دون المرور بعملية الانتقاء والتعيين المتبعة اعتياديا في كل الجامعات العالمية، مما ادى الى دخول كثير من اصحاب الاطاريح الزائفة، ومزوري الشهادات الحرم الجامعي من اوسع ابوابه. لا اعتقد بوجود حل سريع لمعالجة هذه المشكلة ولا توجد رغبة حقيقية في معالجتها إلا ان سياسة تدريب لهذه العناصر في جامعات الدول الغربية سواء للحصول على شهادة عليا، او لقضاء فترة بحثية لما بعد الدكتوراه، بالاضافة الى فترة تدريب مكثفة لتطوير اللغة الإنكليزية، هي باعتقادي سياسة يمكن ان تعطي ثمارها في فترة قصيرة نسبيا. ومن المهم اليوم اعتماد اجراءات جديدة لدرء اخطار الاحباط والتذمر الذي يسود خصوصا بين المؤهلين عاليا من اعضاء هيئة التدريس وذلك بتشجيع الجهد الجمعي حيث تسود روح الفريق الواحد، وإعطاء ادوار اكبر لأعضاء هيئة التدريس ذو الخبرة الطويلة ومن الذين درسوا او عملوا في الجامعات الغربية في تمشية الامور الاكاديمية للأقسام والكليات، واعادة تعيين المتقاعدين منهم بعقود ملائمة كاساتذة متمرسين.
المنافسة والترقية الاكاديمية
التنافس بين التدريسيين والترقية العلمية يمكن اعتبارهما من افضل الوسائل لتطوير كادر الجامعة التدريسي. الا انه توجد معيقات كثيرة امام تحقيق هذه الوسائل منها عدم وجود قواعد واضحة لتنظيم التنافس. المنافسة موجودة حاليا في الجامعات ولو أنها محدودة وابرزها مباهاة الجامعات بتفوقها في بعض السلالم العالمية لتقييم الاداء، وحصول اساتذتها على تكريم من مثل احسن استاذ جامعي والجوائز التكريمية التي تمنحها الوزارة. وتظهر المواجهات التنافسية بشكل آخر في كليات العلوم السياسية والاجتماعية حيث تتضارب الافكار، ويتخاصم التدريسيون، وما يضمن استمرارية هذا الخصام هي الحرية الاكاديمية التي تعتبر رئة تنفس الجامعة الحرة والمستقلة (5).
في الجامعات الغربية يكافئ الاستاذ المتميز على اساس الاداء ضمن قواعد تحددها اسس ضمان الجودة منها نوعية التدريس وتطوير المناهج واستحسان الطلاب لتدريسه ومشاركته في دورات التطوير المهني وفي نشر الثقافة والعلم والتكنولوجيا في المجتمع.
وعلى صعيد اخر يكافأ الباحث المتميز بمنح مالية كثيرة، وبشهرة وأهمية تتناسب مع انجازاته البحثية منها دعوات لمؤتمرات علمية وجوائز من قبل منظمات او جامعات اخرى. من النادر ان نسمع عن تكريم استاذ لمجرد انه اشرف على طلبة دراسات عليا او لمجرد انه قضى فترة طويلة في التدريس لذا ما اراه ضروريا هو ان يتم اعادة النظر في التكريم المعتاد عليه في الجامعات وهو مجرد رسالة شكر وتقدير من الوزير او رئيس الجامعة او العميد لمن هم تحت مسؤوليتهم. احد امثلة التكريم الحقيقي هو تكريم جهة مستقلة كجامعة تكرم استاذ من جامعة اخرى بمنحه جائزة معتمدة او شهادة فخرية او تقديرية ومدالية "ذهبية" في حفل يلقي فيه الاستاذ المكرم محاضرة في موضوع الاختصاص.
الترقيات، كما هي شهادات الشكر والتقدير، في الوقت الحاضر غير فعالة في تطوير قابليات وعطاء التدريسي، وهي ايضا تحتاج الى دراسة وتغيير. في وقت تنتشر المحسوبية والمنسوبية والفساد الاداري والمالي والاكاديمي خصوصا في البحوث المنشورة، والاعتماد في العادة على عدد طلبة الدراسات العليا ونتائج بحوثهم الضعيفة والسطحية، وعدم اهتمام التدريسي بتنمية قابلياته ومعلوماته يصبح ضروريا ان تتضمن الترقية امتحان اداء، وان تضاف درجات اكاديمية اخرى للدرجات العلمية الحالية كأن تقسم درجة الأستاذية (البروفسورية)، الى ثلاث درجات. ومن الضروري اعادة النظر في وظيفة البروفسور لكي تتضمن مهمات قيادية وإدارية، وزيادة عبئه التدريسي والبحثي والإداري.
اصلاح نظام التعليم العالي
اكدنا سابقا، وفي مناسبات عديدة، على ضرورة اصلاح نظام الدراسات العليا وتحسين مستوى البحوث المتعلقة بها وتغيير الاسلوب الامتحاني المبني على مناقشة الاطروحة بصورة علنية، تستعرض في وسائل الاعلام وعلى صفحات الفيسبوك، وكأنها احتفال وليس امتحان. واقترحنا ايقاف القبول في هذه الدرسات لفترة 5 سنوات حتى يتم بناء القاعدة العلمية البشرية والتكنولوجية والمرافق الضرورية. يستغرب زميل اكاديمي متمرس شغل مناصب اكاديمية وإدارية عليا من عدم وجود حالة فشل او حتى تأجيل مناقشة أطروحة لغرض إجراء تجارب إضافية ولسد ثغرة علمية مهمة، ومن عدم مصادفته لحالة واحدة لتأخير او رفض لأطروحة، وهي حالة طبيعية في جامعات الدول الغربية حيث لا تزيد عدد الاطروحات المقبولة من قبل لجان المناقشة بدون مراجعة عن 20%. ويبدو ان منح درجة الامتياز اصبحت حالة اعتيادية حتى في حالات الدفاع الهزيل للطالب عن اطروحته وبالرغم من وجود ثغرات علمية في بحثه يستحيل معها حصوله على الشهادة في الحالات الطبيعية. وأصبح كثير من التدريسيين يتباهون بعدد طلبة الدراسات العليا الذين اشرفوا على رسائلهم، بالرغم من عدم نشر بحث واحد في المجلات العلمية العالمية من معظم هذه الرسائل.
العقبة الكبيرة التي تقف امام تطوير التعليم العالي هو انعدام اللامركزية، والاستقلالية، والتي تصبح ضرورية في ظل ضعف الجهاز الاداري للوزارة والقرارات الوزارية المربكة والخاطئة، وتلك التي لم تبنى على تجربة، او دراسة، والتي يطلق عليها في الادارة صفة ردود فعل عاطفية فورية (Knee jerk reaction). إن كل ما يقال عن منح الجامعات استقلاليتها غير صحيح، لأنه لا يمكن ابداً تحقيق هذا الهدف من دون تغيير لنظام التعليم العالي وإقرار هذه الاستقلالية من قبل مجلس النواب ومن دون ان نرى مجالس امناء مستقلة تشرف على ادارة كل جامعة، وعلى تعيين رئيس الجامعة ونواب الرئيس وعمداء الكليات وتصادق على الميزانية، وخطط التطوير والتحسين العامة.
الحريات داخل الجامعة
الطريق الصحيح والحل المعقول يكمن في نشر ثقافة الجودة، واحترام الحريات الاكاديمية وجعل مناقشة المشاكل والحلول عملية مستمرة في الجامعات يشارك فيها كل العاملين في الجامعات وتطرح فيها مختلف الاراء والتصورات بكل حرية وعدم الخوف من العقاب. كتبت سابقا (6) ان الخوف هو الحاجز رقم واحد للابداع والابتكار. الخوف من العقوبة، والخوف من القيادة العليا، والخوف من الفشل، والخوف من السخرية، والخوف من اتخاذ القرار، والخوف من الوقوع في الخطأ، والخوف من المخاطرة، والخوف من عدم الترقية، والخوف من التغيير، والخوف من المجهول. فالخوف يشل الطاقات العقلية والإبداعية، ويمنع التدريسي من اكتشاف طرق جديدة، فهو يعرف ان افضل طريقة للحفاظ على مركزه هو اتباع الممارسات التقليدية الجاهزة.
الجامعات تحتاج الى تغيير جوهري في بيئاتها الاكاديمية لتحسين جوهر العلاقة بين الاكاديميين والإداريين، وبين الجامعات والوزارة، وعليها الاهتمام بمشاريع حل المشكلات وبالتجارب العالمية. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تتميز عن كل الوزارات الاخرى بتضمينها لهياكل اكاديمية ضخمة تقع على كاهلها توفير القوى البشرية التي تحتاجها كل الوزارات الاخرى وما يحتاجه السوق والمجتمع، لذا فان التعامل مع هذه الهياكل كمثل تعامل وزارة الصحة مع المستشفيات، او وزارة الصناعة مع المصانع، او وزارة الخارجية مع السفارات، او وزارة الداخلية مع مراكز الامن والشرطة، والمتمثل باتباع التنظيم العمودي والمركزي، ومن دون اعتبار ان الجامعة حرم مستقل ذو حصانة تتمتع بشخصية اعتبارية لهو اسلوب اداري معرقل للابداع والابتكار وصناعة المعرفة والتي تعتبر من اهم ميزات الجامعة في عصرنا الراهن، ويعرقل مثل هذا النظام الاداري مواكبة الجامعات للتغيرات السريعة في القطاعات التعليمية الدولية.
مواقع النشر (المفضلة)