وبعد ساعات قليلة ينتهي العام الهجرى ويبدأ عام جديد، إنها قنطرة نوشك أن نعبرها لتستقر أقدامنا على قنطرة أخرى، فخطوة نودع بها، وأخرى نستقبل بها، ونقف بين قنطرتين مودعين ومستقبلين، مودعين موسماً كاملاً أودعنا فيه ماشاء الله أن نودع، فخزائن بعضنا ملأى بما هو له، وخزائن بعضنا ملأى بما هو عليه، فلا إله إلا الله، يخلق ما يشاء ويختار، وما ربك بظلام للعبيد .
وصدق الله العظيم، ومن أصدق من الله قيلاً: يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، قال الله تعالى: وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وهذا السير الحثيث يباعد عن الدنيا ويقرب إلى الآخرة، يباعد من دار العمل ويقرب من دار الجزاء. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل و لاحساب، وغداً حساب ولا عمل) أخرجه البخاري .
نسير إلى الآجال في كل لحظة وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيـام وهن قلائــل
ها نحن نودع عاماً كاملاً من أعوام العمر، فما أسرع ما مضى وانقضى، وما أعظم ما حوى، فكم من حبيب فيه فارقنا، وكم من اختبار وبلاء فيه واجهنا، وكم من سيئات فيه اجترحنا، وكم من عزيز أمسى فيه ذليلاً، وكم من حاكما امسى فيه سجينا أو مقبورا وكم من غني أضحى فيه فقيراً، وكم من حوادث عظام مرت بنا ولكن أين المعتبرون المبصرون، وأين الناظرون إلى قول النبي : ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))
ألاخوة الكرام أعضاء والمنتدى الكريم إن الليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر وأعوام تتكرر، وأجيال تتعاقب على درب الآخرة، فهذا مقبل وهذا مدبر، وهذا صحيح، وهذا سقيم، والكل إلى الله يسير.
فانظر أيها الاخ الفاضل في صحائف أيامك التي خلت، ماذا ادخرت فيها لآخرتك، واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان، وماذا رأت العين، وماذا سمعت هذه الأذن، وأين مشت هذه القدم، وماذا بطشت هذه اليد، وأنت مطلوب منك أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون مع نفسه أشد من الشريك مع شريكه".
فلنحاسب أنفسنا على الفرائض، ولنحاسب أنفسنا على المنهيات، ولنحاسب أنفسنا على الغفلات، فنحن نمتطي عربة الليالي والأيام تحث بنا السير إلى الآخرة.
مواقع النشر (المفضلة)