9- الشمولية :
إن المسلم الجاد هو الذي يأخذ الدين كله كما جاء من عند الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[البقرة:208].
قال ابن كثير رحمه الله : " يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، ما استطاعوا من ذلك .
قال ابن عباس : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر([1]) .
فليس من الإسلام أن ينتقي المسلم من دين الله ما يشاء فيعمل به ويترك ما يشاء . وليس من الجدية أن يفعل الإنسان ما سهل عليه ويترك ما يراه صعباً من الفرائض والواجبات ، فالدين كله يسر وقد رفع الله عن عباده الحرج قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[الحج: من الآية78]. وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:15].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر ، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا )) [ رواه البخاري ] .
فعلى المسلم الجاد أن يأخذ الإسلام بشموليته حتى لا يتشبه بغير المسلمين الذين قال الله فيهم : ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: من الآية85].
10- ترك التسويف :
إن صاحب الجدية لا يعرف التسويف ولا يعتمد على الأماني الكاذبة ، وإنما يبادر إلى الطاعات وإشغال الوقت بالعبادات ، والانتظام في سلم المؤمنين الصادقين . فيتوب كل يوم وكل ساعة وبعد العمل وقلبه ، ولا يقول سوف أتوب ويترك التوبة ، يحاسب نفسه مراراً ولا يقول سوف أحاسب نفسي فيما بعد ، يحافظ على الصلاة في مواقيتها ، ولا يضيعها ويقول سوف أحافظ على صلاتي ، يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به ، ولا يقول سوف أقرأ أو سوف أعمل ، وهكذا فإنه مشغول دائماً بأعمال الخير وقضايا الإسلام والمسلمين ، قد قصر أمله في هذه الدنيا ، فأثر ذلك في سلوكه وأعماله ؛ همة ونشاطاً وإقبالاً على الله تعالى بلا تردد ولا تسويف .
11- إدامة النظر في السيرة النبوية وسير الصحابة :
من أعظم الأمور التي تدفع إلى الجدية النظر في سير أهل الجد والاجتهاد من الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[يوسف:111]
وتعد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معين للجدية ، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر بمفرده ، وتحمل في سبيل نشر الإسلام كل صنوف الأذى والاضطهاد ، فلم تلن له قناة ، ولم تفتر له عزيمة ، وإنما أعلنها صريحة قوية في وجوه أهل الكفر جميعاً (( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) . إنها جدية صاحب الدعوة الذي آمن بدعوته ونذر لها نفسه ووقته وجهده وجاهه وكل شيء من أمره .
12- البعد عن الترف :
الترف من سمات أهل البطالة والكسل ؛ لأنه مورث الخمول والدعة . وأجمع كل عاقل على أنه لا يدرك نعيم بنعيم ، والمكارم لا يتوصل إليها إلا بالمكاره . فمنافاة الترف ، وهجر فضول التنعم من مقومات الهمة العالية ([2]) .
قال بعض السلف : لا ينال العلم براحة الجسد .
لقد ملك النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائن الأرض ، ولو شاء لكان ملكاً رسولاً ، ولكنه رضي أن يكون عبداً رسولاً ، يجوع يوماً فيحمد ربه ، ويشبع يوماً فيشكر ربه ، ولقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه )) [ رواه مسلم ] .
([1]) تفسير ابن كثير ( 1/ 324 ) .
([2]) الهمة معالم في طريق علي الهمة ص 30 باختصار .
مواقع النشر (المفضلة)