بين الأمانة والحماقة

يقول أينشتاين لو لم تكن الأمانة موجودة لتوجب اختراعها". كيف يمكن أن نتخيل عالماً ليس للأ مانة فيه محل. كيف يمكن أن نحلم بمكان أفضل من بلاد تعمها الأمانة. لكن للأ سف كثيراً ما يتعرض الشخص الأمين لضغط المجتمع الفاسد واعتباره له على أنه شخص أحمق. كيف يمكن أن تكون أميناً دون أن تبدو أحمقاً؟

التوازن بين الأمانة والحماقة صعب مثل التوازن بين أي نقيضين. مثل التوازن بين التواضع والغباء، العلم والجنون، الحب والخضوع،...

كثيرة هي المشاعر الانسانية التي يمكن أن تنقلب على صاحبها إذا لم يحسن ادارتها. لكن الأمانة هي الأصعب بينها كلها. الأمانة ضرورية لتطور المجتمع، لبناء المستقبل. الشخص الأمين يرسي دعائم المستقبل لأطفاله ما لم ينحرف بأمانته إلى الحماقة.

الأمانة لا يمكن أن تكون نسبية. أن تعيش في مجتمع فاسد لا يسمح لك بأن تقلل أمانتك بما يتناسب مع فساد المجتمع الذي تعيش فيه. لكن أن تكون أميناً دون أن تهتم بما تتركه أمانتك من انطباع لدى الآخرين هو كمن يعبر سكة القطار أثناء مروره مفترضاً أنه من واجب القطار أن يتوقف لكي لا يدهسه.

الشخص الأمين الذي يعيش في مجتمع تعمه الأمانه تكون حياته سهلة. ليس بحاجة لأن يبرر أمانته لأنها طبيعية تنسجم مع محيطه. أما الشخص الأمين في مجتمع فاسد فلا يكفيه أن يتصرف بأمانة. يجب أن يتصرف بأمانة ويسعى في كل مرة لأن يبرز بشكل واضح لا يدعو للشك بأنه يدرك نتائج تصرفه وأن مايدفعه له هو الأمانة وليس الغباء.

أن تمتنع عن السرقة، الرشوة، استغلال الآخرين، الغش،... هو الخطوة الأولى وكلما قمت بتصرف أمين لا بد أن تسعى لتوضيحه وتفسيره أمام الآخرين. قد يبدو الأمر كمن يبيع الأمانة للآخرين وهو المطلوب. حتى يرغب الناس بالأمانة لا بد من بائع جيد يبين لهم مزاياها. هذا الجهد الذي يبذله الانسان في كل مرة هو ليس جهداً ضائعاً. البائع الجيد لا يكل من الترويج لبضاعته. وعندما ينجح في بيعها يكثر زبائنه وتروج تجارته. أما البائع الفاشل يحاول اخفاء فشله في البيع وراء الآخرين. بضاعتي جيدة ولكن لا أحد يريد شرائها هي دليل فشل وحماقة. من يتصرف بأمانة دون أن يجعل أمانته تثير اعجاب الآخرين يمكن أن يتحول لشخص أحمق يساهم في جعل الأمانة تبدو بضاعة للحمقى