النقاد والمبدعون وإشكالية المسافات البعيدة ...

من الظواهر اللافتة للنظر في عالم الكتابة الأدبية انصراف النقاد عن سبرغور النص الأدبي والاكتفاء في معظم الأحيان بانطباعات قد لا تساهم في إنتاج نص جديد يجعلنا نقف أمامه عاقدين العزم على مواصلة الطريق نحو ملامح الإبداع الإنساني وعمق دلالته .
لا أعتقد ان كثيراً من النقاد العرب يستمعون إلى نبضات المبدعين من الشعراء والكتاب عندما تعلو باحثة عن نقد موضوعي لتلك الإبداعات التي تتراكم كالتلال كل يوم على صفحات الجرائد والمجلات والإصدارات العديدة لدور النشر الأدبية والثقافية ومواقع الإنترنت التي لاحصر لها .. إنهم يكتبون بغزارة ويرون أن النقاد يتجاهلون أعمالهم الإبداعية التي بذلوا فيها كل ما يملكون من وقت وعناء .
تبدو لنا إشكالية الهوة السحيقة والعلاقة الجدلية بين النقاد والمبدعين أو نصوصهم الأدبية إن جاز القول - هوة ربما جعلت بعض أصحاب النصوص لا يحفلون كثيراً إن كانت أعمالهم مصحوبة بالنقد أم لا ..
قد تكون معظم الكتابات المعاصرة وخاصة في ظل انبهار الكتاب الشباب بالحداثة وتقليد الغرب شكلياً هي المشكلة ذاتها لكونها لا تعين الناقد على إعادة إنتاج النص والبحث عن دلالات أكثر عمقاً ومعانٍ أشد توغلاً أو لأنها في غالبية الأحيان سطحية أو مفعمة بالغموض لاهثة وراء اللامعنى ..
بعض النقاد يلهث وراء أسماء بعينها ويتجاهل دونها والبعض الآخر يتبنى نظريات لا تتفق وواقعنا العربي فتكون قوالبه جاهزة عند تأويل النص مما يصيب الناقد بالنمطية وهناك من يكتب من أجل الكتابة وإثبات الوجود ...
الناقد يجب أن يكون همزة وصل قوية ومتابعة بين المبدع والقارئ يقوم بتوعية الطرفين لا ينبغي أن يكون مجاملاً أو محايداً أو متجاهلاً أو متحاملاً .. ينبغي فقط أن يكون أمينا مُنصفاً يخلص للنص الأدبي ولا يحمّله ما لا يحتمل وتواكب حركتة النقدية حركة الإبداع المتواصلة .. فهل آن الأوان ليصبح الناقد العربي موضوعيّاً لا انطباعيّاً ؟! وهل حان الوقت ليصير النحلة التي تمتص الرحيق ولا تنقطع عن إمدادنا بعسلها المصفّى ؟!


مقال بعنوان " نبضة "
نُشر بجريدة ( نبض الصعيد )
العدد الأول - نوفمبر 2011 م