عندما يكون الحوار غير متكافئ

ما أحوجنا للحوار العقلانى المتزن فى هذه الأيام العصيبة التى تمر بها مصر ، بل العالم كله .

فالحوار هو الحل للكثير من المشكلات للوصول إلى أقرب البدائل والحلول التى معها نرضى جميع الأطراف ،ولكن عندما يكون الحوار بين أفراداً يمتلكون أدوات للحوار الثقافى من فكر رصين ، وتمدن ، وتحضر ، ودلائل ،وشواهد ، وعلم ،وخبرة ، ومهارات لغوية وتقنية نلمس فيها روح العصر ، وإطلاع على آخر ما توصل إليه العلم، والثقافة والحياة السياسية ، وبين أفراداً آخرين عقولهم تقليدية آخر ما قرأت فيه منذ السبعينيات ، وتحاول طمس أى فكر جديد ،أو أى تغيير أو إبداع ، خشية على مكانها ،ومنصبها ، وأن تتكشف أمام الجميع بأن فكرها لا يواكب عصر المعلوماتية ، ومجتمع المعرفة الذى يرحب بالتعددية الثقافية ، والتنوع، والثراء الفكرى ، وقبول الرأى الآخر ، وعدم التعصب، والجمود ،والتبلد الفكرى ، والعند الذى يصل إلى مستوى الجهل بالأمور ، وبالعالم من حولنا . فى هذه الحالة يكون حواراً غير متكافئاً ، بل هو حوار من طرف واحد ، والبقاء بين الطرفين يكون حسب طبيعة المجتمع الذى يرحب بالعلم والفكر والتقدم والتنمية ، أو على النقيض يسعى إلى الإبقاء على الوضع الراهن حيث الحفاظ على المصالح الشخصية على حساب المجموع ، والبقاء لتلك الفئة يعكس طبيعة المجتمع التى لا ترحب بالعلم والثقافة ،والمعرفة أن تسود ، وإنما ترحب بالأمية ،والجهل ، والاستبعاد ، وتكريس النخبة غير المثقفة أو الواعية ، وإنما النخبة ذوى المصالح الشخصية فحسب .

هذا ما يدور فى الشارع المصرى الآن الحوار غير المتوازن بين فئات من الشعب بعضها البعض ، فئة مثقفة تطالب بالتغيير ،والتحول الديمقراطى ، أمام فئة من الشعب أخرى لا تمتلك أدوات للحوار ، وإنما أدواتها هى القمع والترهيب والبلطجة لتكريس الوضع الحالى ، وإعادة بناء النظام .
كما يمتد الحوار غير المتكافئ بين فئة الإرادة الشعبية الواعية المثقفة ، وبين فئة من السلطة غير الواعية التى تريد تكريس النظام ، وتتعامل مع المطالب الشعبية بأدوات تقليدية ، تبث من خلالها عمليات تزييف وعى ،وطمس ، ومحاولات مكشوفة ، واستخدمت منذ عشرات السنوات ، ولم تفلح مع الإرادة الشعبية الواعية المثقفة ، وذلك فى تقديرى ، لأسباب لا يمكن تجاهلها أهمها ،وأخطرها عصر القنوات المفتوحة التى بتنا نعيش فيه ، فما كنا نخفيه فى الماضى من الصعوبة بمكان أن نخفيه فى عصر الفضائيات ،والإنترنت .
فما أحدثته العولمة من تداعيات ، جعلتنا لسنا وحدنا ، فنحن مراقبون وينظر إلينا العالم أجمع ، ويرى إنجازاتنا ، كما يرى إخفاقتنا ،وعمليات الفساد التى تحدث .
كما أن عدم الثقة فى قدرة الشباب فى الآونة الأخيرة على إحداث التغيير ، والاستخفاف بهم هو ما أفضى إلى الوضع الذى يمر به الشارع العربى اليوم ، لاسيما الشارع المصرى .

لهذا فلكى يتم تحقيق التقدم ،والسلام ،والعدالة داخل المجتمع ، من الضرورى أن تمتلك كل أطراف الحوار أدواتها ، وأن تعى بطبيعة العصر والسياق الذى نعيش فيه ، وأن تستوعب السلطة عقول الشباب اليوم ،وأن تتحاور معهم ،وتسمع إلى أطروحاتهم القيمة التى نثق بها ، لأننا نؤمن أن لديهم الكثير لخير المجتمع المصرى ، ودفعه للأمام ، والأيام القادمة كفيلة بإكتشاف ذلك . إن لم نكن قد لمسناها فى الأحداث الأخيرة بحق .