التخطيط لمستقبل جودة التعليم( الحلقة21 )
التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر(2)

فى هذه الحلقة نحاول وضع بعض المعالم من أجل التخطيط للتعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر .
فى بادئ الأمر يتسنى معرفة أن التعلم الذاتى مهارة تكتسب، وتنمى بالخبرة العملية المستمرة ، وأن أدوات البحث التى كنا نبحث من خلالها فى الماضى ، بات معظمها لا يمكن أن يسهم فى تكوين ،وبناء مهارة حقيقية .
لذلك من أجل التخطيط للتعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر ، يجب على المرء أن يعى أنه بإستمرار بحاجة إلى عملية التخطيط تلك من أجل صقل مهاراته فى عملية التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر .
من هنا فكيف يمكن التخطيط للتعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر ؟
أولاً الوعى بالإمكانات والقدرات .
الوعى هنا يمثل بناء القدرة على البحث ،والمعرفة ، بمعنى مصارحة الفرد لذاته قبل البحث فى الموضوع بحثاً ذاتياً هل قدراته، وإمكاناته تؤهله لمثل تلك المهمة أم لا . فالوعى، والإدراك بالقدرات يجنب المرء الكثير من المخاطر التى قد يتعرض لها سواء مخاطر مادية طبيعية مثل إنفاق الكثير من الوقت، والمال، والصحة ، أو مخاطر معنوية مثل الإحساس بالفشل، والاكتئاب، والعزوف عن العمل . كل ذلك نتيجة لعدم مصارحة الذات بالقدرات ،والإمكانات .
مثال :- إذا كنت ُتجرى بحثاً عن التعليم فى مصر ، وأردت عقد مقارنة عن التعليم فى جنوب أفريقيا ، وطلبت السفر إلى جنوب أفريقيا لإتمام فكرة بحثك . فى البداية من الضرورى تحدد لنفسك مجموعة من الأسئلة :-
-هل لدى الإمكانات اللغوية ، ومهارات التواصل مع طبيعة هذا المجتمع ؟
-هل بمقدورى تحمل الكثير من المخاطر الصحية الموجودة فى تلك المنطقة ؟
-هل أستطيع إتمام البحث ، وإنهائه فى الموعد المحدد؟
-هل طبيعة البشر فى جنوب أفريقيا تمكننى للتعامل، وعقد مقابلات معهم لإتمام البحث ؟
عدم الإجابة على تلك التساؤلات تعد إهداراً للوقت، والمال ،والصحة ، وعدم تحقيق الغرض ، والنتيجة المرجوة من عملية التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر .
ثانياً بناء القدرة على الإبداع والاكتشاف
كثير منا فى عمليات التعلم الذاتى ، يعيد إنتاج ما قاله أو كتبه الآخرون ، ويرى أن ذلك أفضل عما يكتب شيئاَ جديداً أو مبتكراً ، فى حين أن فكرة التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر تستدعى من الفرد إبراز كل ما لديه من طاقات إبداعية لم تكن موجودة من قبل ، فليس البحث الذاتى معناه نقل ما قاله الآخرون ، وننسبه لأنفسنا بحجة أننا تعلمنا بأنفسنا ، ولم يعلمنا أحد .
الفكرة فى التعلم الذاتى هى الإبتكار، والإبداع، والاكتشاف لكل ما هو جديد من أجل التنمية فى كافة المجالات .
لذلك ففى هذه الخطوة عندما نبحث فى أى من مصادر المعرفة المختلفة يتسنى علينا أن نبحث فى المجهول ، وليس فى المعلوم . لأن ما هو معلوم قد عرفته البشرية ، وطبقته واستفادت منه أما الجديد فهو المطلوب تحقيقه ،وتطبيقه من خلالنا ، ومن خلال مهارات التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر .
مثال :-يستعد معلم متميز للكتابة فى موضوع بحث ، لتقديمه للحصول على جائزة دولية ، هذا الموضوع يتعلق بمصادر الطاقة ، وكيف يمكن استحداث مصادر جديدة للطاقة تسهم فى ترشيد الاستهلاك ، وكذلك تحقيق التنمية داخل المجتمع .
فهذا المعلم وضع خطة العمل لبحثه ، ففى البداية قرأ كل ما هو متعلق بموضوع مصادر الطاقة ، وقام بزيارة ميدانية للعديد من شركات مصادر الطاقة لدراسة الموضوع ، ثم قرر أنه من الضرورى أن يأتى بفكرة مستحدثة ،ومبتكرة تختلف عما هو مطبق .
وإلا فما قيمة البحث المقدم إذا كان منقولاً من بحوث قد طبقت بالفعل .
ومن ثم فعدم القدرة على الإبداع ،والابتكار تؤدى إلى فشل عملية التعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر .
ثالثاً الحضور الذهنى لعملية التعلم الذاتى .
لم نسأل أنفسنا لماذا المبدعين ،والمكتشفين قلة فى كل مجتمع ؟
الإجابة لأن هؤلاء يتميزوا بشئ أساس وهو القدرة الفائقة على التركيز الشديد أو بلغة علم النفس الحضور الذهنى القوى ، أو الاستدعاء لكل خبرات التعلم ،وتوظيفها فى عمليات الإبداع ،والاكتشاف . لذلك فهم يتميزوا عن نظائرهم بشدة الانتباه، والتركيز الذى يؤهلهم لمعرفة ما هو مجهول ليصبح إبداعاً . تذكروا معى "نيوتن" ، الذى سقطت عليه التفاحة ليكتشف قانون الجاذبية ، أكيد كلنا قد تسقط علينا تفاحة من شجرة ما ، ولكن تركيز ،وانتباه نيوتن إكتشف ما وراء المعلوم ، وما هو مجهول للقاعدة العريضة ، ومن ثم ليتحول من شخص عادى إلى عالم .
هكذا ُجل المبدعين، والكتشفين لديهم القدرة على وضع كل شئ فى بؤرة الوعى لديهم ، من أجل الإتيان بالجديد والُمبَتكر ،والُمكَتشف ، ومن ثم أصبحوا عظماء بفضل ذلك .
من هنا فلنضع نصب أعيينا كل شئ نقوم بعمله ، وكتابته أو تأديته ، ونركز فيه ، ونمعن الانتباه فيه كى نكتشف ما غمض فهمه ، ومن ثم نأتى بالجديد، والمبتكر .
نستكمل عملية التخطيط للتعلم الذاتى القائم على الاكتشاف المستمر فى الحلقة القادمة بإذن الله.