ربما يعتقد بعض القائمين علي هذا المنتدي أن هذا الموضوع ليس ضمن قضايا التعليم أو ليس له علاقة بجودة التعليم وربما يطالب البعض بإغلاق الموضوع وعدم مناقشته بموضوعية و بأسلوب علمي و ربما يذهب البعض إلي ما هو أبعد ذلك و هو حذف الموضوع من جذوره أو معاقبة كاتب الموضوع بحظره و شطبه من عضوية المنتدي و ربما يذهب البعض إلي ما هو أبعد من ذلك كله كإحالة كاتب الموضوع إلي محكمة عسكرية مثلاً أو إهدار دمه لأنه تجرأ و كتب مثل هذا الموضوع .... علي كل حال أنا سأكتب هنا و في أماكن أخري مهما كانت العواقب فمثل هذا الموضوع ما لم نكتب نحن فيه فمن يكتب ..... !؟ و ما لم نناقشه نحن فمن يناقشه ..... !؟ و ما لم نضع نحن التوصيات و الحلول له فمن يضع له ... !؟
فقد أبلغني أحد زملائي أن ابنه الصغير الذي يدرس بالصف الثالث الإبتدائي استيقظ منذ أيام مبكراً ( علي غير عادته ) مكبراً و مهللاً الله أكبر .. الله أكبر بصوتٍ عال و لما ذهب والده مسرعاً و فتح حجرة ابنه الصغير ليعرف سر هذا التكبير و التهليل المفاجئ وجد ابنه يقول له : افرح يا أبي ، افرح يا أبي .. الله أكبر الله أكبر .. إن أبانوب لن يأتي إلي المدرسة اليوم لقد سمعت المنجب ينادي أن والد أبانوب توفي و أن الدفنة و العزاء اليوم .... ! فقال له والده : من أبانوب هذا .... ؟ فقال محمود : أبانوب تلميذ مسيحي في الفصل معي و يجلس وحيداً في آخر مقعد بالفصل .... ! فقال الوالد : و لماذا تفرح يا بني في مصيبة زميلك .... ! ، ليس هذا من الإسلام في شيئ ، يجب عليك وزملائك أن تقدموا واجب العزاء لزميلكم أبانوب هذا في وفاة والده ، ثم كيف يجلس أبانوب زميلك هذا وحيداً في آخر مقعد بالفصل .... ! ألا تجلسوا في مجموعات و تتعاونوا مع بعضكم البعض في إنجاز المهام الموكلة إليكم من قبل معلميكم ... ! فرد محمود قائلاً : يا ابتي إن أبانوب هذا ليس زميلي إنه عدوّي و أنا وباقي زملائي نكرهه بشدة و كلنا رفضنا الجلوس معه في مقعد واحد .... !
أصابتني حالة من الصدمة و الذهول من هذا الكلام و كيف أن محمود وزملاءه يكرهون أبانوب بشدة .... !؟ كان لابد أن أذهب إلي مدرسة محمود و أبانوب لأعرف سبب و سر هذه الكراهية غير المبررة .
و عندما ذهبت إلي مدرستهم ، وجدت أبانوب يجلس وحيداً مسكيناً حزيناً في آخر مقعد بالفصل و لم يقدم له تلميذ واحد واجب العزاء في وفاة والده ... !؟ و عندما سألت التلاميذ عن سبب عدم تقدمهم واجب العزاء لزميلهم أبانوب في وفاة و الده .... وقع ردهم عليَّ كالصاقعة فقد قالوا لي : أنه لا يجوز تقديم التهنئة أو التعزية لأبانوب و من الأفضل عدم التعامل معه .... !؟
فكان لابد من مقابلة معلمة الفصل لمعرفة رأيها فيما يقوله التلاميذ و لمحاولة فهم سر الكراهية بين محمود و باقئ زملائه للمسكين أبانوب ....!؟
فقالت المعلمة : هناك مشكلة كبيرة في الحقيقة بين محمود و زملائه من جهة و بين أبانوب من جهة أخري فهذا الموضوع يرجع إلي واقعة بسيطة للغاية حدثت بين محمود و أبانوب و هما في مرحلة رياض الأطفال لم تعالج بشكل صحيح ، حيث رفض أبانوب بشدة أن يعطي محمود الأستيكة ( الكوما ) ليزيل كلمة كتبها محمود خطأ في كراسته مما تسبب في توبيخ محمود بشدة من قبل معلمة رياض الأطفال لكتابته كلمة خطأ في الكراسة ( فقد ظن أبانوب سوءاً بمحمود بأنه سيسرق الكوما منه و لن يعطيها له مرة أخري ) فمنذ ذلك اليوم و العلاقة سيئة للغاية بينهم فمحمود لم ينس بعد أن أبانوب تسبب في توبيخه و إحراجه أمام زملائه و المؤسف أن باقي التلاميذ لم يغفروا لأبانوب سوء ظنه هذا و كانت القطيعة بينهم و بينه ثم تطورت المشكلة و كبرت لدرجة رفض جميع التلاميذ الجلوس معه في مقعد واحد أو التعامل معه أو التعاون معه أو حتي اللعب معه ....!؟
فقلت : و لكن كيف لا يقدم التلاميذ واجب العزاء لأبانوب .... !؟ أين دورك ... !؟
فقالت المعلمة : يبدو أن التلاميذ يذهبون إلي مدرسة أخري ( و كذلك أبانوب ) بعد انتهاء اليوم الدراسي غير هذه المدرسة و يدرسون و يتدارسون معلومات أخري غير تلك المعلومات التي ندرسها نحن لهم في الفصول ... !؟
إن مشكلة محمود و أبانوب هذه ليست مشكلة عادية أو بسيطة ، إنها مشكلة كبيرة و معقدة مشكلة منهج دراسي عقيم ( فقد أُشيع مؤخراً أن منهج التربية الدينية الإسلامية لا تعده وزارة التربية و التعليم و لكن تعده المخابرات الأمريكية وإلا سيتم قطع المعونة ) ، مشكلة إعلام لا يجيد أبسط قواعد المهنية الإعلامية ، مشكلة دور عبادة سواء مسجد أو كنيسة تحرض علي كراهية واستعداء الطرف الآخر ، مشكلة منزل و أسرة قصرت و تكاسلت في تبصير أبنائها بتعاليم الإسلام السمحة وفي قبول الآخر ، مشكلة دولة أبت و استكبرت أن تعي و تفهم و تقر و تعترف أن هناك أزمة يجب دراستها دراسة موضوعية و وضع حلول لها و ادعت ظلماً و بهتاناً أنه لا توجد مشكلة و أن الحياة لونها بنبي و أنا جنبك و أنت جنبي و كله تمام يا أفندم .... !؟
يبقي سؤالاً يطرح نفسه ........
هل يمكن أن يتصالح محمود و أبانوب ....؟ كيف ....؟
هل أدت معلمة رياض الأطفال واجبها علي أكمل وجه ؟ أم قصرت و كان بإمكانها وأد الفتنة و هي في مهدها قبل أن تكبر ؟ لماذا ....؟
هل لو قامت معلمة الصف الثالث الإبتدائي بتقسم التلاميذ إلي مجموعات و بدمج أبانوب في مجموعة منهم و بتطبيق استراتيجيات التعلم النشط ، كان يمكن أن تحل المشكلة .... ؟
أين دور الاخصائي الاجتماعي و الإذاعة المدرسية و أخصائي الأنشطة و مشرف التربية الدينية ... ؟
هل زار والد أبانوب مدرسة ابنه مرة واحدة في حياته .... ؟ هل نهتم أصلاً بتعليم و متابعة بأبنائنا ..... ؟
من يقف وراء سوء ظن أبانوب في محمود و زملائه و بأن المسلمين لصوص لا يجب التعامل معهم و الثقة بهم .... ؟
من أين أتي محمود و زملاؤه بأنه لا يجوز تقديم التهنئة أو التعزية لأبانوب .... ؟ ألم يدعُ الإسلام إلي احترام الأديان و إلي قبول الآخر .... ؟
هل يمكن أن يتطور و يتجدد و تراقب لغة الخطاب الديني في المسجد و الكنيسة .... ؟ كيف .... ؟
هل يمكن لإعلامنا ( الفاشل بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ ) أن يتطور يوماً ما و تتحسن لغة الخطاب الإعلامي و تحترم عقول الناس .... ؟ كيف .... ؟
لو كنت مراجعاً خارجياً و قُدر لك أن تراجع و تقييم مدرسة محمود و أبانوب .. و علمت بهذه المشكلة فهل توصي باعتماد المدرسة أم توصي بعدم اعتمادها .... ؟
هل يمكن لمناهجنا التعليمية العقيمة أن تتحرر و تستقل يوماً ما لتحمل موضوعات تعالج مثل هذه الأمور .... ؟
هل يمكن لهذا الوطن أن ينهض و يستعيد مجده من جديد ..... ؟
نحن لا نريد قتل الناموس و لكن نريد تجفيف المستنقعات ..... !
" لله الأمر من قبل و من بعد "