الـمـقـدمـة

يؤثر النظام التربوي في مختلف النظم الأخرىبالمجتمع ، ومنها: النظام القيمي، والنظام السياسي ، والنظام الاقتصادي، والنظامالاجتماعي. والمعلم الذي يعد العمود الفقري في النظام التربوي وحجر الزاوية فيالعملية التربوية، تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، هو العامل الأول الذي يعتد بهمؤشراً على نجاح أي نظام تربوي. والمعلم في المجتمع المسلم ينبغي أن ينشر الأخلاقالإسلامية بين تلاميذه ويسلك بمقتضاها، ويربي تلاميذه ويرشدهم وفق تعاليم الدينالحنيف، ويعمل على الارتقاء بالمجتمع المسلم والمحافظة على هويته ووحدته. كماينبغي أن يبصرهم بحسن معاملتهم للآخرين مسلمين وغير مسلمين دون تفريط أو إفراط . والتطوير التربوي الذي أصبح من أهم سمات العصرالحاضر يعتمد على تقويم الواقع التربوي بصورة عامة وواقع تربية المعلم بصورة خاصة،وذلك لكشف ما يعتريه من ضعف وما يعترضه من مشكلات، وصولا إلى وجود حلول علمية لها،والعمل على التطوير الذي يواكب تحديات العصر. ولكن التطوير الشامل لواقع تربيةالمعلم لا يمكن أن يتحقق على الوجه الذي يواكب التحديات المعاصرة إلا إذا أمكنتحديد عنصرين مهمين، وهما: الأول : التحديات التي تواجه تطوير الواقع، والعنصرالثاني: أهم الاتجاهات الحديثة التي ينبغي الأخذ بها في تطوير هذا الواقع. وهذا ماتهدف إليه هذه الورقة التي تسعى إلى تحديد أهم التحديات المعاصرة التي تواجه تربيةالمعلم ومن ثم تحديد أهم الاتجاهات الحديثة في تربية المعلم ليكون مؤهلا للقيامبأدواره المتعددة والمتغيرة في ضوء ما يعرف بعصر العولمة والتي غدت أمراً لا مفرمنه وينبغي التعامل معها كحقيقة واقعة نستفيد من فرصها الإيجابية ونتوخى ألاتصيبنا مصائبها.تحديد معاني الألفاظ والمصطلحاتالمستخدمة

إن المنهجية العلمية تقتضي تبيان معانيالألفاظ والمصطلحات المستخدمة والتي تحدد معنى عبارة " رؤية حديثة لأدوارالمعلم المتغيرة في ضوء تحديات العولمة" ومعنى عبارة " الاتجاهاتالحديثة في نظم إعداد المعلم " ، وذلك من خلال إدراك معاني الألفاظوالمصطلحات الرئيسة التي تحدد موضوع هذه الورقة تحديدا واضحا. يختلف الباحثون في معنى " الحداثة "اختلافاً واضحاً. فمنهم من يرى أن الحداثة مرتبطة بمقياس الزمن، بمعنى أن الأقربفي الوجود هو دائما الأحدث. وأن الأحدث منها ينسخ الأقدم استناداً إلى أن عدمكفاية الأقدم هو بالضرورة مبرر لوجود الأحدث. إن من الأمور المسلم بها أن الحكمة ضالةالمؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. وهذا يعني أن المجتمع المسلم ينبغي أن يستفيد من كلما هو حديث في العلم والتقنية، وغير ذلك من أساليب التفكير ومناهج العمل وأساليبالأداء بغض النظر عن مكانها وزمانها ومصدرها طالما أنها لاتحالف منهج الله تعالىالذي بينّه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما درج عليه السلف الصالح.وفي هذا الإطار ينبغي أن يكتسب المسلمون الخبرات من اجتهادهم، ولهم أن يستعينوا فيذلك بالخبرات التي تأتيهم من كل زمان وأن يعملوا على توظيف كل ذلك للإرتقاءبالحياة في المجتمع المسلم عامة وفي التربية خاصة، لإعداد وتربية المعلم المسلموالطبيب المسلم والمهندس المسلم، ... بحيث يجمع كل من هؤلاء بين معطيات العصر منالتقدم العلمي والتقني في مهنته وبين ثقافته الإسلامية حيث يجد القيم والمعاييرالتي تحدد له إطار السلوك وفق منهج الله تعالى. بناء على ما سبق فإن " الحديث " هنايعني: الخبرات الجديدة التي تتفق مع منهج الله تعالى والتي يمكن أن تطبق في نظامإعداد المعلم أو التي أمكن تطبيقها حديثًا بهدف تحقيق أهدافه بصورة أفضل. وطبقالهذا التعريف قد تكون الخبرات حديثة الوجود بمعنى أنها لم تكن موجودة أصلا وحيناكتشفت طبقت في مجال إعداد المعلم. مثال لهذا مفهوم " التعليم المصغر ".وقد ترجع الحداثة إلى حداثة تطبيق الخبرات في مجال إعداد المعلم رغم أنها طبقت فيمجالات أخرى، مثال لهذا " أسلوب النظم ". وقد ترجع الحداثة إلى تطبيقخبرات كانت مطبقة من قبل في مجال إعداد المعلم، بأسلوب جديد. مثال لهذا "تمهين تدريس مواد الإعداد التخصصي " في برامج إعداد المعلم. وقد ترجع الحداثةإلى زيادة حيز تطبيق خبرات معينة كانحيزها قليلا من قبل. مثال لهذا العناية بمهارات تعبير المعلم باللغة العربيةالفصحى. بالنسبة لمعنى الاتجاه، وبالرجوع إلى كتب علمالنفس فإن للإتجاه طائفة من التعريفات. وطبقا لهذه التعريفات، فإن الاتجاه تنظيمشخصي غير ملحوظ، وتعتبر تعبيرات الشخص واستجاباته وتوجهاته مؤشرات لهذا الاتجاه.ولكن المقصود بالاتجاه هنا هو الخبرات التي تحدد توجهات معينة في إعداد المعلم.وهذا يعني أن الاتجاه هو خبرات نظرية أو تطبيقية تحدد نظاماً جديداً في إعدادالمعلم. أما " النظم " فيمكن تحديد معناهااسترشاداً بمفهوم " أسلوب النظم " الذي كثر الحديث عنه في المجالاتالتربوية في العقد السابع من القرن الماضي الميلادي، إلا أن تطبيق هذا الأسلوب فيالتربية لم ينتشر إلا في نهاية العقد السابع وبداية العقد الثامن من القرنالميلادي الماضي (متولي، 1987). ويمكن فهم النظام على أنه: مجموعة الأشاءالمتكاملة والمترابطة بعلاقات ذات صفات موحدة ومتجانسة تمثل أجزاؤها خصائص أساسيةتؤلف هذا النظام، وتطرح معطيات ثابتة لإنجاح العمل من خلالها (الكلوب، 1987).ويتكون كل نظام من من عناصر رئيسة مثل الأهداف والعمليات والمحتوى والتي يتم بناءًعليها تعديل النظام وتحسينه (لبيب وآخرون، 1983). وفي هذه الورقة يتحدد معنى النظام بأنه:مجموعة من العناصر المتكاملة، توظف لتحقيق أهداف محددة لها، تكون التغذية العائدةمن التقويم المستمر لمخرجاتها أساساً لتحسينها. وقد تكون هذه العناصر نظماً جزئيةفي نظام أشمل، كما قد تكون خبرات تربوية أو غيرها، ولكنها في جميع الأحوال تكونمنظومة متفاعلة دائمة التطور. والمقصود " بإعداد المعلم " ،تربيته، أي توجيه سلوك من يرغبون في أن يعدوا أنفسهم لممارسة مهنة التعليم أوالذين يمارسونها فعلا بما يجعلهم يسهمون دائما في عمليتي التعليم والتعلم بأقصى ماتمكنهم به استعداداتهم وقدراتهم.محاولات في تعريف العولمة ومحاذيرها

ذكرت كثير من المحاولات لتعريف العولمة، وغلبعلى بعضها الاعتبار الاقتصادي على غيره من الاعتبارات. وتحاول هذه الورقة أن تذكربالاعتبارات الثقافية والاجتماعية ، وبالاعتبارات العلمية والتقنية والمعلوماتية،وذلك بحسبان أن هذه الجوانب ذات تأثير مباشر على الاعتبارات التربوية. أ/ ففي تغليب للجانب الثقافي الاجتماعي قيل إنالعولمة هي: 1ـ اندماج الثقافات، بل صراع للثقافات تكونفيه الغلبة للأقوى (عيسى، 1998) 2ـ الترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هيتقافة القوة المهيمنة على العالم. 3. نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كلمحتوى ويدفع إلى التفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة(حطب، 1998).ب/وفي تغليب لدور التقانة والعلوم والمعلوماتية قيل إن العولمة هي: 1. نتاج الثورة التقانية والمعلوماتية التيقربت المسافات واجتاحت الحدود وفتحت آفاقاً جديدة في شتى المجالات (الرفاعي، 1998). 2. تعبير عن انسحاق الإنسان إما لسطوة الآلة أوالتقدم العلمي والمعلوماتية (عمر وعبد الماجد، 2003). لكن هذه القضايا التي تثيرها ظاهرة العولمةشاملة بطبيعتها وتتداخل فيها اعتبارات كثيرة وإن تغليب جانب على آخر قد لا يصمدطويلاً، لذا فقد عرف بعضهم العولمة مع مراعاة لهذا الشمول (عمر وعبد الماجد،2003)، فقالوا إنها:· عالمية التجارة والاستثمار وانتقال الأموال والثقافات والتقانةوحقوق الإنسان والقيم الإنسانية.· نظام يعمل على إفراغ هوية الأمة من كل محتوى ويدفع للتفتيتوالتشتت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة.· ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والتقانة والسلوك والاجتماع،ويكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية للدولةوتحدث فيها تبادلاتتؤثر على حياة الإنسان أينما كان.· تعبير عن إنسحاق الإنسان أمام سطوة الآلة والتقدم العلميوتمركز رأس المال وانعدام القيم الإنسانية والأخلاقية وسيادة منطق الربح الماديوالازدهار الفردي والبقاء للأقوى من خلال حرية السوق والمعلوماتية والاستلابالثقافي والفكري للشعوب والدول والقوميات.· نظرية إقتصادية في المنطلق، وسياسية وثقافية في النتائج،تستهدف فتح الأسواق الاقتصادية وتطبيق سياسة السوق وإلغاء الجمارك وإقرارحرية تنقلرأس المال والبضائع والخدمات بين الدول دون أية قيود، وفتح الحدود الوطنية فيالمجال السياسي، والترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هي ثقافة القوة المهيمنة علىالعالم.ولكنرغم كل ما ذكر يظل التعريف بالعولمة أمراً تختلف فيه الآراء، وربما تقاربت هذهالآراء بعد النظر في القضايا المختلفة التي تتأثر بظاهرة العولمة. وبما أن الهدف الرئيس من إعداد هذه الورقة هوتحديد رؤية جديدة لأدوار المعلم في المجتمع المسلم في ضوء تحديات العولمة، لذا منالأجدى ذكر بعض المنافع وبعض الأضرار التي تترتب على ظاهرة العولمة علها تساعد فيتحديد الرؤية والموقف، ومن ثم الدخول لوضع الاستراتيجية والسياسات والبرامج. وبماأن دفع الضرر مقدم على جلب النفع، فمن الواجب الالتفات أولا ً إلى ما يتوقع منهالضرر.محاذير العولمة

أولاً:فيما يتوقع أن تعود به العولمة من ضرر في المجال التربوي الثقافي الاجتماعي فلابدمن ذكر المحاذير التالية: غياب القيم، وغلبة أفكار وأنماط اجتماعية غريبة المنشأ،ومسخ وتشويه الهويات المحلية وتهديد الموروثات الاجتماعية، وتعميم الثقافاتالغربية وفق النمط الليبرالي المتصف بالتحرر وشدة الإغراء والنفاذ الخاطف إلىأفئدة الناس وعقولهم، والغزو الثقافي بالإختراق الإعلامي عبر الفضائيات والتواصلالإعلامي للاستحواذ على الثقافات والوجدان وتكثيف النهج الإستهلاكي، وتطويقالإبداع الأدبي والفني لدى الشعوب ذات الهويات الثقافية، وتهميش اللغة القومية،وتقليص العلاقة الحميمة بين المثقف والحياة من حوله، وانقراض ما يستعصي علىالتوحيد، واتساع دائرة الفقر مما يزيد من معدلات التسرب من التعليم العام، كمايؤدي اتساع أسواق المال لزيادة انتشار الفساد ومعدلات الجريمة وتعدد أنماطهاوأشكالها.ثانياً:أما فيما يتعلق بما يمكن تعود به العولمة من منافع في المجالات المشار إليها في" أولاً " فيمكن ذكر التالي: التعرف على الثقافات العالمية والقضاء علىمظاهر التخلف وارتياد آفاق المدنية المعاصرة، وزيادة معدلات التشابه بين الجماعاتوالمجتمعات والمؤسسات، وإحالة المحلي الموجود في مراكز بث الاتصال القومية إلىمعروف عالمي. أما في مجال العلوم والتقانة : فيذكر أنالعولمة تفضي إلى التعرف والاستفادة من إنجازات العلوم وثورة المعلوماتوالمعلوماتية وتحسين خدماتها وتخفيض أسعارها مما يؤدي إلى سهولة التواصل الفكريوالثقافي والعلمي ونقل المعلومات وانتشارها بين الأمم والشعوب.التحديات التي تواجه تربية المعلم فيعصر العولمة

إن عصر العولمة الذي نعيشه الآن مليءبالتحديات التي تواجه الإنسان كل يوم. ففي كل يوم تظهر على مسرح الحياة معطياتجديدة تحتاج إلى خبرات جديدة وفكر متجدد وأساليب جديدة ومهارات جديدة وآليات جديدةللتعامل معها بنجاح. أي تحتاج إلى إنسان مبدع ومبتكر، ذي بصيرة نافذة، قادر علىتكييف البيئة وفق القيم والأخلاق والأهداف المرغوبة، وليس مجرد التكيف معها. ولا يتحقق هذا دون تربية تواكب متطلباتالعصروتستشرف آفاقه المستقبلية. ولكن ما متطلبات العصر؟ وما آفاق المستقبل؟ لقد تحقق للإنسان في هذا العصر تقدم مادي هائلوفر له الكثير من أسباب الرفاه ووسائل الراحة المادية؛ والأمثلة على ذلك متعددةومتنوعة (في مجالات الطب والصناعات الإلكترونية والهندسة الوراثية والاتصالات ...إلخ ) إلا أن هذا التقدم أصاب الإنسان بالخلل في جوانب كثيرة، فرغم أن الإنسان وصلفي هذا العصر إلى القمر وبدأ ارتياد الفضاء الخارجي، فإنه فقد اتصاله مع عالمه Dhaher,1981)ورغمأنه أنجز تقدماً علمياً ومادياً وتكنولوجياً هائلاً، إلا أن تقدمه الأخلاقيوالروحي كان متواضعاً جداً (القريطي وآخرون، 1991). فالمجتمعات الحديثة عانت أثناءتطورها السريع من غياب المعايير، وفقدت حياتها التي كانت تتسم بنظام معين يقوم علىالتكافل أو التضامن الاجتماعي، تخضع فيه مصالح أفراده لصالح المجموع، مما قاد إلىشيوع بعض مظاهر الاغتراب كاليأس والوحدة والخوف والاكتئاب والقلق. وقد زاد من حدةتلك المظاهر بروز النزعة الفردية في العصر الحديث والتي ساهم في إيجادها التصنيعوالديمقراطية والعلمانية (عويدات، 1995). إن الاغتراب كان إحدى ثمار التكنولوجياإلى جانب التلوث والصراع والتفكك الاجتماعي والدمار البيئي، (Beare& Slaughter,1994) . ويُعد الاغتراب حالة ذهنية يشعر فيهاالشخص بأنه معزول عن مجتمعه (Hannalla & Guirguis, 1998) ، أو هو شعور الفرد بالإنفصال النسبي عنذاته أو مجتمعه أو كليهما ( الأشول وآخرون، 1985). لقد تخلى الإنسان عن كثير منالقيم الأخلاقية، وأخذ الفساد يطبق على حياة الإنسان في صور شتى. بل إن التقدمالذي وفر الرفاهية للإنسان في كثير من جوانب حياته، هو نفسه الذي أصابه في مقاتلفي أحايين أخرى. فالأقمار الصناعية التي يكشف بها الإنسان مخبآت الفضاء هي نفسهاالتي تستخدمها الدول المتقدمة في التجسس على الدول الأخرى. وأشعة الليزر التيتستخدم لعلاج بعض الأمراض هي التي يستخدمها آخرون في القتل والتدمير في الحروب.وانتشار البث الإذاعي والتلفازي الذي يمكن أن يكون عاملا من عوامل التقارب بينالشعوب وتوجيهها نحو الخير يستخدمه آخرون في غزو غيرهم ثقافياً وتربوياً. يمكن أن نخلص مما تقدم أن عصرنا الحالي حافلبالمتناقضات، ومن ثم فهو يحتاج إلى تربية غير التربية التقليدية التي عهدناها حتىالأمس القريب. إن البحوث التربوية في الدول المتقدمة مادياًأصبحت موجهة نحو استثمار الذكاء البشري وحسن توجيهه وفق نظام تربوي فائق التنظيم.ولذلك نلحظ تنافساً محموماً في هذا المضمار بين الدول المتقدمة. أما الدول الناميةفلا تشارك في صنع هذا التقدم ولا توجهه، بل تستقبل ما ينتجه الآخرون حتى لو كانضاراً بها. ولهذا، فإن تغيير أوضاع هذه الدول من المستقبل إلى المشارك يحتاج إلىانتهاج تربية تعبر مسافات التخلف الذي يعتريها، تربية تستنفر طاقاتها البشريةوتستثمر قدراتها المادية إلى أقصى ما يكون الاستنفار وأقصى ما يكون الاستثمار.وتربية هذا شأنها ـ في عالمنا الإسلامي ـ لابد أن تكون تربية أصيلة، تنبع جذورهامن عقيدة الإسلام وتنمو وتزدهر من خلال التطبيق العلمي الميداني، تربية لا تنقل منالغير، ولكنها تأخذ كل مناسب من تجارب الأمم والأفراد أياً كان انتماؤهم. وتربيةكهذه لا تؤتي ثمارها دون معلم قادر على استنهاض قدرات المتعلمين ومساعدتهم علىالإنطلاق نحو السبق في عصر العولمة. إن من أهم عوامل تحقيق ما سبق، الوقوف على التحدياتالتي تواجه تربية المعلم سواء في أثناء اختياره أو تكوينه في فترة الإعداد أوتنميته بالتدريب في أثناء الخدمة.أ ـ تحديات تتعلق باختيار المعلم

إن اختيار المعلم يضع الأساس لإعداده وممارستهلمهنته. فإذا تم اختياره على أسس سليمة وإذا رُوعيت متطلبات مهنة المعلم عنداختياره فإن هذا سيكون بلا شك خطوة مهمة نحو إعداده الإعداد المناسب ، والعكسبالعكس صحيح. إن اختيار المعلم يواجه تحديات عديدة ينبغيمواجهتها. ومن تلك التحديات:1.لم تعد مهنة التعليم مهنة جاذبة، إذ أنها تزخر بالمشكلات التي تصرف العناصر الممتازةعنها، ومن أمثلة تلك المشكلات تدني المرتبات (مقارنة بمهن أخرى)، عدم التقديرالاجتماعي المناسب، وظروف العمل غير المشجعة في أغلب الأحيان. وفي ظل هذه الظروفيصبح من العسير اجتذاب الأشخاص من ذويالقدرات والاستعدادات الممتازة لهذه المهنة.2.إن معظم من يلتحقون بمؤسسات إعداد المعلمين لا يختارونها بأنفسهم بل يُوَجهون إلىتلك المؤسسات بناءً على الدرجات التي حصلوا عليها في اختبارات نهاية المرحلةالثانوية، وغالباً ما يتوجه هؤلاء إلى تلك المؤسسات بعد أن يكونوا قد فقدوا الأملفي الحصول على مقعد في كليات جامعية جاذبة. وعلى الرغم من وجود الاختبارات الشخصيةالتي تقوم بها تلك المؤسسات للراغبين في الإلتحاق بها لتحديد القدرات الشخصيةلممارسة مهنة التدريس، مثل الاستقرار الانفعالي وسلامة الحواس وسلامة النطق، وسعةالثقافة العامة، والرغبة في مهنة التدريس، إلا أن تلك الاختبارات تكون في الغالبشكلية ولا تخرج عن كونها عملاً روتينياً لا يميز بين من يمتلك تلك القدرات ومن لايمتلكها. وترى مجموعة من التربويين العرب في دراسة قدمتفي ندوة إعداد المعلم بدول الحليج العربي بمركز البحوث التربوية في جامعة قطربالدوحة (يناير 1984م) أن من بين المشكلات الأساسية التي تنجم عن اختيار طلابمؤسسات إعداد المعلمين ما يلي:أولا:أن النظام التعليمي في الدول العربية لايحصل من إنتاجه إلا على أضعف العناصرالبشرية، في الوقت الذي يقدم فيه للقطاعات الأخرى أفضل مخرجاته.ثانياً:أن كليات التربية وكليات إعداد المعلمين بأنماطها المختلفة وبصرف النظر عنتبعيتها، عجزت عن الوفاء باحتياجات النظام التعليمي ومطالب التوسع التي يواجههاباستمرار. وعلى العموم يمكن تلخيص أهم التحديات التيتواجه اختيار العناصر المناسبة لمهنة التعليم فيما يلي:1.عدم التأكد من توافر الخصائص المطلوبة في المتقدمين للإلتحاق بمؤسسات إعداد المعلم، من إلتزام بالأخلاق الإسلامية، اتساع الثقافة الإسلامية، اكتساب المهاراتالأساسية في التعبير باللغة العربية، الرغبة في العمل بمهنة التعليم، الثقافةالعامة واتساع الأفق، الاستعداد للقيادة وخدمة البيئة ...2.تدني نظرة المجتمع إلى المعلم، والمعلم إلى نفسه على أنه أقل من غيره من أصحابالمهن الأخرى.3.قصور مهنة التعليم عن تحقيق طموحات الشباب ورغباتهم في الصعود الاجتماعي مما يكافئمختلف المهن الأفضل في هذا الجانب.4.الحاجة الدائمة للتنمية الذاتية العلمية والمهنية التي تتطلبها مهنة التعليم أكثرمن غيرها من ناحية، وعدم توافر فرص مناسبة لهذه التنمية من ناحية أخرى.5.عدم تأسيس اختيار معلمي المستقبل على أسس علمية سليمة نظراً لغياب تطبيقالاختبارات والمقاييس المناسبة في اختيار المتقدمين للإلتحاق بكليات المعلمين.6.رغم قصور أساليب الاختيار المطبقة حالياً فإنها تعتبر نهائية في حين أنها ينبغي أنتستمر طوال فترة وجود الطالب في مؤسسة الإعداد بحيث تُسْتبعَد أثناءها العناصرالتي تثبت عدم ملاءمتها للمهنة (شوق وسعيد، 1416هـ - 1995م). وفي ضوء تحديات العولمة تصبح هذه التحديات أكثرإلحاحاً، إذ يُتوقع في ظل العولمة أن تغلب أفكار وأنماط اجتماعية غريبة المنشأ معالغزو الثقافي والفكري بالإختراق الإعلامي عبر الفضائيات، ومع محاولات الاستحواذعلى الثقافات والوُجدان وتكثيف النهج الاستهلاكي. فإذا كانت مهنة التعليم مواجهةبتحديات تجعلها عاجزة عن اختيار العناصر المناسبة لها فإن محاذير العولمة تصبحأكثر خطورة وأبلغ تأثيراً.