القهوة والأكواب واستراتيجيات التدريس
هل تتوقعون بأن هناك علاقة بين المتغيرات في العنوان السابق؟ ربما توجد علاقة وقوية أيضاً .
في البداية سأحكي قصة طريفة ، قيل أنها لأستاذ في إحدى الجامعات ، وإليكم القصة:

التقى بعض خريجي تلك الجامعة في منزل أستاذهم العجوز بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسةوبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية
ونالوا أرفع المناصب وحققوا الاستقرار المادي ، وبعد عبارات التحية والمجاملة
بدأ كل منهم يتأفف من ضغوط العمل والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر.

وغاب الأستاذ عنهم قليلا ثم عاد يحمل أبريقا كبيرا من القهوة، ومعه أكواب من كل شكل ولون ، أكواب صينية فاخرة، أكواب ميلامين، أكواب من الزجاج العادي، أكواب بلاستيك ، وأكواب كريستال........الخ

فبعض الأكواب كانت في منتهى الجمال تصميماً ولوناً وبالتالي كانت باهظة الثمن ، بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت.

قال الأستاذ لطلابه:تفضلوا، و ليصب كل واحد منكم لنفسه القهوة
وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكاً بكوب تكلم الأستاذ مجددا:
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة والغالية فقط هي التي وقع عليها اختياركم
وأنكم تجنبتم الأكواب العادية؟؟؟

ومن الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم إلى ما هو أفضل وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر ، ما كنتم بحاجة إليه فعلا هو القهوة وليس الكوب.

ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة والثمينة والغالية ، و بعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب التي في أيدي الآخرين.

فلو كانت الحياة هي القهوةفإن الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية هي الأكواب
وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة ( القهوة )

ونوعية الحياة (القهوة) تبقى نفسها لا تتغير

و عندما نركز فقط على الكوب فإننا ربما نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة
وبالتالي أنصحكم بعدم الاهتمام كثيراً بالأكواب وبدل ذلك أنصحكم بالاستمتاع بالقهوة ( انتهت قصة الأستاذ ).

ولكن هل فعلاً تمثل القهوة ( العلم أو المحتوى المعرفي ) وتمثل الأكواب ( استراتيجيات التدريس وطرائق وأدوات التعليم والتعلم ) ؟
هل نحن فعلاً انجرفنا نحو البحث عن الأكواب ( استراتيجيات التدريس ) وأصبحنا نهتم بشكلها ولونها وأهملنا الاستمتاع بالقهوة ( المحتوى العلمي )؟

هل الاستمتاع بالأكواب ( الاستراتيجيات والأدوات ) أصبح على حساب الاستمتاع بالقهوة ( المحتوى العلمي )؟

المطلع والمتابع للعملية التعليمية في مدارسنا اليوم يجد بأن الكثير والكثير من العاملين في الميدان التربوي بدأ ينجرف نحو الاستمتاع بالأكواب والبحث عن أشكالها وألوانها المختلفة ، فتجد المنتديات اليوم تدور وتجول حول الطرائق والأدوات والاستراتيجيات ، فأصبح الهم هو السؤال عن : من لديه مطوية ، وكيف نصنع المطوية ، ومتى نكتب في المطوية ، وهل المناسب مطوية أم جدول تعلم ، وهل يكون لون المطوية أبيض أم أخضر ، وحجم الورق كم ، ومتى نطبق التفكير الناقد ، ومتى نستخدم المنظمات التخطيطية ، ومتى تكون مرحلة الاستكشاف ، ومرحلة التقويم في دورة التعلم الخماسية ، وهل هي دورة أم دائرة ، وما الفرق بينها وبين دورة التعليم ، وماهو التعليم المتمازج ، ومتى نمزج وفي أي الظروف ، ومتى لا نمزج ( طبعاً التعليم المتمازج هذا المصطلح الجديدة لدمج التقنية في التدريس) ، وهل نعمل ورقة العمل لمجموعات أم في شكل فردي ، ومتى نستخدم الداتا شو ....الخ من الأكواب ، والتجار شطار كل يوم يغيرون لنا ألوان وأشكال وأحجام تلك الأكواب ( استراتيجيات التدريس ) ونحن بلا وعي أصبح همنا البحث عن تلك الأكواب والاستمتاع بها.
نعم الأكواب لها أهميتها ولكن من أجل أن تكون وعاء يحوي القهوة ( المحتوى العلمي ) وأما البحث عن الأكواب من أجل الأكواب نفسها لا يجدي نفعاً.

نريد الطلاب يستمتعون بالقهوة ( عفوا أقصد بالكهرومغناطيسية ، والميكانيكا ، والضوء والصوت ، والبصريات ، والنهايات ، والمتراجحات ، والتفاضل والتكامل ، وعلم الوراثة ، والخلية ، والجهاز الدوري ....الخ وأما الأكواب ما هي إلا أوعية نقدم لضيوفنا ( لطلابنا ) القهوة ( المحتوى العلمي )من خلالها.

أخوتي الكرام هذه ليست دعوة لأن نترك الأكواب فالأكواب أدوات أساسية ومهمة لتقديم القهوة ،
ولكن لا يصبح مزاجنا يشتاق للأكواب وألوانها وأشكالها وأحجامها على حساب الاستمتاع بمذاق القهوة ( المحتوى العلمي الذي نقدمه لطلابنا ).
منقوووووووووول