أثارت تصريحات الدكتور طارق شوقي، رئيس المجلس الاستشاري للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية، بشأن ملامح المقترح الخاص بإلغاء دعم التعليم الجامعي للطالب الراسب، وتخفيضه للطالب غير المتفوق، الذي تقدم به المجلس للرئيس في اجتماعه الأخير به، والمقرر تطبيقه من خلال العام الدراسي المقبل 2015 /2016، بدءًا من أكتوبر المقبل، قلقاً حول مستقبل التعليم الجامعي في مصر.




تقوم المبادرة على نظام المنح الجامعية، بدلاً من المجانية الكاملة للتعليم التي تطبق حاليا بالجامعات، بحيث تدعم الدولة الطالب المتفوق، وتتحمل مصاريف دراسته كاملة، وفي المقابل سيتم إلغاء المنحة الجامعية للطالب الراسب عن سنة الرسوب، وتقليل قيمة الدعم أو المنحة الجامعية المقدمة للطالب غير المتفوق، الأمر الذي يخالف المادة 19 من الدستور المصري والتي تنص على “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون”.


التلقين والحفظ دون وعي الأزمة الحقيقية للتعليم


يري خبراء أن الوضع التعليمي في مصر يسير من سيئ لأسوأ، وأن الأزمة لا تقتصر على المناهج المدرسية التي سيطر عليها الجمود والتخلف، وإنما تمتد لتشمل المعلم والمتعلم والإدارة التعليمية، كما تلعب طرق التدريس دوراً كبيراً في العملية التعليمية، حيث تنقل من خلالها المعرفة والخبرة ومضامين المنهاج إلى المتعلمين.


وأوضحوا أن طريقة التدريس السائدة التى تستخدم على نطاق واسع فى مدارسنا «التلقين»، أو ما أسماه المفكر البرازيلي،باولو فريرى “التعليم البنكى” الذى ينحصر دور الطلاب فيه على الحفظ والتذكر وإعادة ما يسمعونه، من دون أن يتعمقوا فى مضمونه، واستقبال المعلومات وتخزينها دون وعي، وهو ما يتسبب في تدهور منظومة التعليم بشكل عام.


يقول الدكتور كمال مغيث، خبير التعليم، إن نظام التعليم المصري يقدم معلومات سقيمة وميتة ولا تفيد الطالب خلال الفترة الحالية التي نعيشها وسط التطور التكنولوجي والعلمي، فمازال الاعتماد بشكل أساسي في المدارس علي أسلوب التلقين للطالب، الذي بدوره يتعامل مع المنهج من هذا المنطلق ويحدد أولوياته بضرورة النجاح فقط والتحصل علي أعلي الدرجات دون النظر إلي الاستفادة الفعلية التي سيتحصل عليها من تلك المعلومات في حياته المهنية والشخصية عقب ذلك، مضيفا: «الهدف الأسمي للطالب أصبح النجاح فقط والتخرج، وذلك للأسف ما أدي بنا إلي تلك الحالة الحرجة من سوء التعليم».


إلغاء مجانية التعليم الجامعي يضعف حافز المصريين للالتحاق بالدراسة


عقب قرار المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع للرئاسة بإلغاء مجانية التعليم الجامعي، تباينت ردود أفعال المهتمين بالقرار ما بين مؤيد ومعارض، فالعديد من رؤساء الجامعات وعلي رأسها جامعة القاهرة أبدوا ترحيبهم بالقرار، فصرح الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، بأن القرار صائب، فلا يجوز للطالب الذى يدفع جنيهات قليلة في الجامعات الحكومية مقابل من يدفع الآلاف فى الخاصة، المطالبة بتلقي تعليم بجودة عالية كما الجامعات الخاصة.


من جانبه، يقول عبد الحفيظ طايل، مدير مركز الحق في التعليم، إنه لا يمكن اعتبار التعليم المصري مجانياً، بل علي العكس تماماً يتم دفع التكاليف المدرسية مرتين واحدة في هيئة الضرائب المتحصلة من المواطن، والأخري عند شراء متعلقات الدراسة ودفع المصاريف المدرسية، مشيراً إلي أن الدولة تريد تحصيل أموال بكافة الطرق من المواطن، وتناست أن الأمر عندما يتعلق بالتعليم، فهي تعارض الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها والتي تنص علي إتاحة التعليم للمواطنين بالتساوي وتلك الإتاحة لن تأتي إلا بالمجانية، علي حد قوله.


ويشير “طايل” إلي أن قرار إلغاء مجانية التعليم، مؤشر علي استمرار سياسات النظام القديم لمبارك، والتي كانت تهتم فقط بإيجاد منافذ لتحصيل النقود من المواطن المصري باعتباره الممول الأول للاقتصاد المصري، الأمر الذي ساهم في تدهور التعليم ليصل إلي أسوا حالاته حالياً، موضحا أن إصرار الدولة علي تنفيذ ذلك القرار، سيعد بمثابة إيذانا بإلغاء المحفز الأساسي للمصريين للالتحاق بالتعليم.


ويؤكد مدير مركز الحق في التعليم، أن الدولة لا توفر فرص متساوية للتعليم بين جميع المصريين، فهناك تمييز بين المواطنين نتيجة الوضع الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي، لافتاً إلي أن الكفاءة ليس لها مكان لتحديد الطالب الذي يريد البقاء من غيره في ظل تلك العيوب التي تحيط بالنظام التعليمي.


«السيسي» يهدر كفاح شعب ويهدم ما أسسه «عبد الناصر»


وفى السياق ذاته، يوضح الدكتور كمال مغيث، أن موافقة الرئيس السيسي علي المقترح الخاص بإلغاء مجانية التعليم الجامعي وجعله في هيئة منح دراسية، إهدار لكفاح شعب بأكلمه علي مدار 100 عام، مشيراً إلي أن القرار مدمر ورجعي، علي حد قوله.


ويضيف “مغيث” أن الحديث عن تمتع المتفوقين في مصر بالمجانية كلام مغلوط، متسائلا عن مسئولية الفقراء في تدهور النظام التعليمي لتحمل تبعات ذلك بإمكانية عدم تمتعهم بتلك الخدمة؟، بالإضافة إلي تفشي البطالة في المجتمع علي الرغم من الحصول علي الشهادة الجامعية، مطالباً الدولة بتحمل مسئوليتها تجاه شعبها وإعطاء كل ذي حق حقه.

ويشدد أستاذ المناهج التعليمية علي ضرورة التصدي لذلك القرار لما به من أثر مدمر للعملية التعليمية، بحيث يعود بنا إلي عصور ما قبل ثورة يوليو التي قام بها الراحل جمال عبد الناصر من أجل 3 مبادئ رئيسية وهي طرد المحتل من مصر، والحياة بكرامة دستورية، بالإضافة إلي مجانية التعليم، لافتاً إلي أن الحديث عن أنه بالعصر الحالي تم إلغاء مجانية التعليم بالدول الأوروبية، كلام عار عن الصحة تماماً، فمازالت دول كاليابان وكندا تأخذ بنظام مجانية التعليم، مؤكدا أن السيسي بذلك يدمر كل ما أسسه وسعي له الراحل عبد الناصر في الملف الخاص بالتعليم، علي حد قوله.