منقولة للاستفادة
يحكى أن ملكا طلع يوما إلى أعلى قصره يتفرج .. فلاحت منه التفاتة فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراؤون أحسن منها
فالتفت إلى احدى جواريه فقال لها: لمن هذه ؟ فقالت: يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز..
فنزل الملك و قد خامره حبها و شغف بها... فاستدعى فيروز و قال له: يا فيروز.. قال: لبيك يا مولاي..
قال: خذ هذا الكتاب و امض به إلى البلد كذا و ائتني بالجواب..
فأخذ فيروز الكتاب و توجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه..
و جهز أمره و بات ليلته..
فلما أصبح ودع أهله و سار طالبا لحاجة الملك و لم يعلم بما قد دبره الملك
و أما الملك فإنه لما توجه فيروز قام مسرعا و توجه متخفيا إلى دار فيروز فقرع الباب قرعا خفيفا..
فقالت امرأة فيروز: من بالباب ؟
قال: أنا الملك سيد زوجك ..ففتحت له ..فدخل و جلس ..
فقالت له: أرى مولانا اليوم عندنا !!!
فقال: زائر..
فقالت: أعوذ بالله من هذه الزيارة و ما أظن فيها خيرا ..
فقال لها: ويحك إنني الملك سيد زوجك و ما أظنك عرفتيني..
فقالت: بل عرفتك يا مولاي و لقد علمت أنك الملك و لكن سبقتك الأوائل في قولهم..
سأترك ماءكم من غير ورد
وذاك لكثرة الوراد فيه
إذا سقط الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء
إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن
ولا يرضى مساهمة السفيه
و ما أحسن يا مولاي قول الشاعر :
قل للذي شفه الغرام ..
وصاحب الغدر غيرمصحوب..
والله لا قال قائل أبدا ..
قد أكل الليث فضلة الذيب..
ثم قالت: أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه..
فاستحيا الملك من كلامها و خرج و تركها ..فنسي نعله في الدار ...
هذا ما كان من الملك..
و أما ما كان من فيروز ..
فانه لما خرج و سار تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه ..
فتذكر أنه نسيه تحت فراشه.. فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك في الدار.. فطاش عقله و علم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله .. فسكت و لم يبد كلاما و أخذ الكتاب و سار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم عليه بمائة دينار.. فمضى فيروز إلى السوق و اشترى ما يليق بالنساء ..و هيأ هدية حسنة ..و أتى إلى زوجته فسلم عليها
وقال لها: قومي إلى زيارة بيت أبيك
قالت: و ما ذاك ؟
قال: إن الملك أنعم علينا و أريد أن تظهري لأهلك ذلك
قالت: حبا و كرامة
ثم قامت من ساعتها و توجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها و بما جاءت به معها.. فأقامت عند أهلها شهرا.. فلم يذكرها زوجها و لا ألم بها
فأتى إليه أخوها و قال له:
يا فيروز إما أن تخبرنا بسبب غضبك وإما أن تحاكمنا إلى الملك ..
فقال: إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقا..
فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم و كان القاضي إذ ذاك عند الملك جالسا إلى جانبه..
فقال أخو الصبية : أيد الله مولانا قاضي القضاة.. إني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة و أشجار مثمرة فأكل ثمره و هدم حيطانه و أخرب بئره ..
فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له : ما تقول يا غلام ؟
فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان و سلمته إليه أحسن مما كان.. فقال القاضي: هل سلم إليك البستان كما كان؟
قال: نعم و لكن أريد منه السبب لرده ..قال القاضي: ما قولك ؟
قال: والله يا مولاي ما رددت البستان كراهة فيه و إنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني.. فحرمت دخول البستان إكراما للأسد..
و كان الملك متكئا.. فاستوى جالسا
فقال: يا فيروز ارجع إلى بستانك آمنا مطمئنا فو الله إن الأسد دخل البستان و لم يؤثر فيه أثرا و لا التمس منه ورقا و لا ثمرا و لا شيئا و لم يلبث فيه غير لحظة يسيرة و خرج من غير بأس.. و والله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره ..
فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته
ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك..
ما أجمل كتمان سر أهلك فﻻ يعلم الناس عنه فيعيبوك مابقي من العمر حتى لو لم تكن أنت المخطئ فالناس سيقولون ﻻبد أنه بفعله كان سببا..
فاحفظوا أسرار بيوتكم يحفظكم الله