نادر الليمونى يكتب: الدعوة لتشويه مصر

الجمعة، 10 فبراير 2012 - 15:53

ميدان التحرير




ما بين 11 فبراير 2011 يوم أن أزاح الله وحده عن مصر من جثم على صدورنا، وظننا أنه لن يزاح عنها وما بين 11 فبراير 2012، والذى تدعو فيه بعض الفصائل لإضراب عام فى البلاد وكأننا نتحسر على إزاحة هذا النظام البوليسى الذى نجح فى إذلال شعبه وإهانة كرامته داخل أرضه وخارجها.

فلماذا هذه الدعوة؟ ولماذا فى هذا اليوم بالذات؟ على الرغم من أن المطالبة التى كنت أتوقعها هى أن نطالب بجعل هذا اليوم هو العيد الفعلى للثورة المصرية، فأرى أنها ليست إلا دعوة لتخريب مصر، والانقضاض على مكتسبات الثورة المصرية التى لم يكن لأفضل الحالمين أن تتحقق على أرض الواقع.

ولذلك لا أجد سبباً مقنعاً لهذه الدعوة سوى أنها دعوة صريحة لتعرية الوطن والأخذ بيديه إلى الخلف، خاصة وأننا نسير على خطى الديمقراطية التى نحلم بها وننشدها، ورأينا بأم أعيننا ممارسة ديمقراطية فى انتخابات مجلس الشعب، لم نكن لنحلم أن نمارسها فى أرض مصر التى زرع فيها التزوير والالتفاف على إرادة الشعب لعقود طويلة حتى ظننا أن هذه التربة لن تخرج علينا نبتا آخر مطلقاً غير الذى زرع فيها، واعتادت عليه، ويجرى الآن اكتمال الجناح الثانى للسلطة التشريعية، وقد أعلن عن فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية لأول مرة لا يوجد أحد أطرافها رئيس فعلى للجمهورية يجلس على مقاليد الحكم.

والجميع الآن ممن يرغبون خوض غمار هذه التجربة يقفون على مسافة واحدة من صندوق الانتخابات الذى نقدره جميعاً فهو من يعبر عن إرادة الأغلبية الديمقراطية التى طالما أن حلمنا بها، ولكن وللأسف الشديد ازدادت بشكل كبير، وعلت نبرة التخوين والتشكيك فيما بين الجميع.

فالشعب الذى ظل كاتماً غيظه عقود طويلة يرى بعينيه ما يجرى حوله فى العالم من ممارسات ديمقراطية فى أنظمة الحكم فى بلدان العالم، ويتحسر على حاله، خاصة عندما يقرأ تاريخه وحضارته ويعض على نواجذه من الحال الذى وصل إليه هو نفسه هذا الشعب الذى يدعو للإضراب؛ لأنه لن يصبر أياماً، ويريد أن يجعل من 11 فبراير يوم تنحى وخلع النظام الفاسد الذى أفسدنا بفساده وما هذه الدعوة إلى الإضراب إلا صورة من صور الفساد الذى زرعها هذا النظام فى نفوسنا، وأغلق جميع أبواب الأمل والتفكير الإيجابى فى عقولنا فصرنا نرى جميع الألوان بلون واحد وهو الأسود الحالك رغم ما أسلفنا من خطوات نحو الانتقال بالدولة إلى مصاف الدول الديمقراطية، والتى أشاد بها الجميع فى الخارج قبلنا نحن أصحاب هذه التجربة مهما أتت من نتائج قد يختلف عليها البعض، وأظنهم ممن يدعون إلى هذا الإضراب، ولكنها إرادة الشعب والتى لا نملك جميعاً إلا احترامها والانصياع إلى نتيجتها طالما اخترنا الديمقراطية سبيلاً لنا فعلينا تحمل تبعاتها ولنترك للأيام فقط الحكم على من اختارهم الشعب فهو وحده صاحب الحق فى الحكم على اختياراته، وبالتالى الوقوف مرة أخرى داعماً لهم أو مزيحاً لهم، والإتيان بغيرهم، ولم يعد للميدان رهبة أو للتعبير عن الإرادة هواجس وخوف.

فما زرع فى النفوس من أباطرة أمن الدولة الذراع الحاكمة للنظام السابق فى نفوس الناس من خوف ورهبة وذل وإذلال انكسرت بفضل الله تعالى، وكللت بالنجاح فى 11 فبراير 2011 والذى يريدون أصحاب الدعوة إلى الإضراب الى طمس الفرحة بهذا اليوم، وجعله يوماً أسود على مصر والمصريين بهذا الإضراب والذى أتوقع له الفشل.

بالطبع مقالتى هذه تعبر عن رأيى الشخصى ورؤيتى للأحداث ولن تعجب الكثيرين الذين يجمعنا جميعا حب هذا الوطن، ولكن كل منا يحبه بطريقته، وكما يقولون، ومن الحب ما قتل، ولذلك وجب علينا التنويه عن مخاطر هذا الإضراب، خاصة فى ظل اقتصاد ساهمنا جميعاً فى تراجعه، ووصوله إلى أدنى المعدلات، ووضع أمنى تحمل معنا ذنوب وآثام غيره ليس إلا لكونه كان يحمل نفس اللقب، وتناسينا جميعاً أنه لا تزر وازرة وزر أخرى أو أننا لن نستغنى عن هؤلاء، ولن ينصلح الحال إلا بهم، وأن احتاج الأمر إلى التطوير والتحسين فلا ضير فى ذلك، ولكن أخذ الأمور على أعنتها ليس هذا هو المطلوب، خصوصاً أن الخاسر الوحيد هو نحن جميعاً ومصر التى يقدرها العدو قبل الحبيب
كم كنت أتمنى أن تتوافق ثورتنا التى من الله علينا بها وراح ضحيتها أرواح افتدى بها الوطن حريته أن يتعاهد كل منا مع نفسه أن يبدأ هو أيضاً بالتوافق معها فى ثورة داخلية مع نفس كل واحد منا أن صلح من حاله وشأنه حتى تكتمل الصورة ويستوى البناء، ونرى مصر التى فى خاطر كل منا، ويتمناها كل مصرى فخور يعرف قدرها وعظم شأنها فليس من المعقول أن نلقى بالتقصير على الآخر ونحن مدركين جيداً أننا مقصرون فما الوطن إلا نحن فأبدأ بنفسك فالمجتمع أنا وأنت.

إن كنا حقاً للوطن محبين وعلى مستقبله حريصين ولندع سياسة التخوين، ونبدأ بأنفسنا ولعملنا ولعيوبنا معالجين فإن أعاننا الله على ذلك أظن أن الوضع سوف يكون أفضل بكثير مما يحلم أكثر المتفائلين والحالمين منا.

وحفظ الله مصر للمصريين وأدامها الله أمناً وأماناً، كما كرمها فى ذكرها فى كتابه الكريم.


http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=599286&SecID=190