التجربة الحضارية التركية الحليف الاستراتيجى المرتقب
الرجل الذى استطاع أن يقف فى وجه إسرائيل فى مؤتمر دافوس 2009 ، ويقول كلمة (لا) ، ويسحب أوراقه ،ويمضى إلى دولته التى أضحى لها كياناً مشرقاً وسط العالم أجمع .
إرادة فولاذية تحركها نزعات إيمانية ، وقدرة عقلية على الفعل ، والإبداع، والمثابرة والتنمية الحقة . إنه رجب طيب أوردغان حديث الصحف العالمية ، وحديث العالم أجمع .
وقد أعلن أوردغان أنه ليس هو قائد التنمية وحده فى تركيا ، وليس هو من أحدث الحضارة التركية ، وإنما الإرادة الشعبية ، وتحريك الكتل الصامتة صوب عمليات التنمية الفعلية ، والعمل ، والإبداع ، وإعمال العقل بدفعة إيمانية ، واسترشاد بقول البارى (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (سورة التوبة ، الآية 105).
الرجل ما فعله هو أنه قال دعونا من الهتافات ، والخطابات ، وكثرة المطالب التى لا يتحقق منها شيئاً طيلة الرغبة فى الحديث دون توافر إرادة الفعل ، والعمل ، بل الرجل بدأ بنفسه ونزل الميدان ، وحول بؤر كاملة من الفساد إلى طاقة عمل، ومنارة حقيقية ، حول أماكن شاغرة بآلاف اللصوص ،والبلطجية ،والعشوائيات إلى منابر ثقافية ، وتحف فنية . أسهم فى إنتعاشة الاقتصاد التركى بجهود تركية من خلال حزب العدالة والتنمية، ورغبة فى التغيير ليس للأفضل فحسب ،وإنما لتحويل تركيا لتكون قطعة من أوربا ، ومنارة الشرق الأوسط .
مع كل ذلك رفض مطلقاً الخضوع للضغوط الأمريكية الإسرائيلية ، وتحلى برباطة الجأش واستند إلى حلفاؤه فى الشرق الأوسط فلسطين ،ومصر ،وسوريا ،والأردن ، وإيران ، وتونس، من أجل التصدى لإبنة الأمم المتحدة المدللة إسرائيل ، ويجبرها على احترام معاهدة السلام كامب ديفيد ، وألا تعلو فوق القانون الدولى بوصفها كيان سياسى، وليست دولة تتعالى على بقية الدول .
هكذا هو الحزم ،والقول الحق فى وقت لا يمكن فيه إتباع سياسة اللعب على الحبال، أو الكيل بمكيالين من أجل تحقيق مصالح شخصية ، ومن ثم ضياع الأمة بكاملها نتيجة الأنانية ، والإستبداد .
هذا يذكرنا بقول الخالق عز وجل فى كتابه الحكيم (ألَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) . (سورة هود ، الآية 78) .
وجدير بالذكر أن النهضة الحضارية التركية تحدت رموز العلمانية الذين نبذوا الفكر الدينى ، والإسلام كظهير للأمة، وقاوموا جهود حركة النور فى عام 1349 ه بقيادة الشيخ (بديع الزمان)، والتى نادت بضرورة التوعية الإسلامية بين أبناء الشعب التركى ، وقد أجهضت الحركة الإسلامية بنفى بديع الزمان ، وقلصت نشاطه الدينى ، والدعوة إلى الإسترشاد بنور القرآن . إلا أن محاولات إجهاض حزب السلام الوطنى1392 ه - 1970الذى تزعمه السيد (نجم الدين أربكان) قد باءت بالفشل ، إذ عمل أربكان نائباً لرئيس الوزراء، ثم رئيساً للوزراء عام 1996 وساهم فى خدمة الإسلام ،والمسلمين ونشر اللغة العربية فى تركيا الأمر الذى أنعش معه العلاقات الدبلوماسية بدول الجوار ، وإذابة الجليد بين الأتراك ،والعرب ، ويعد جامع أيا صوفيا بإستانبول من المساجد التاريخية التى شهدت نهضة الحضارة الإسلامية التركية فى تلك الفترة .
وقد حسم (أوردغان ) فكرة العلمانية بالدين عند قوله الدولة ككيان فهى علمانية الطابع ، أما الأشخاص فهم يختلفون فى دياناتهم ، إلا أن دستورهم الأساس هو (القانون) .
وبهذا التآزر بين العلمانية ، والمدنية ، والدين تؤسس دولة الديموقراطية ، دولة الحرية ، دولة سيادة القانون
والسؤال الآن كيف يمكن الاستفادة من التجربة الحضارية التركية كحليف استراتيجى قوى فى الشرق الآوسط الآن لنهضة ،وتنمية المجتمع المصرى بعد عصر الظلام ،والاستبداد ،والتسلط ؟


فى مقدورى أن اطرح بعض البواعث الفكرية ، والأطروحات لعلها تسهم فى نشوء نقلة نوعية حضارية فى جسد المجتمع المصرى :-
أولاً – الاسترشاد بالنموذج التركى المتوازن فى تشييد الحضارة التركية ،والذى عمل على تجنب الصراع المباشر مع قوى العلمانية المتصدعة ، والعمل على تحويل كافة الأطراف المتصارعة إلى أطراف متعاونة ، وفاعلة من أجل تحقيق المصلحة العامة للمجتمع .

ثانياً – تكوين مشروع حضارى عربى واسع النطاق ذو أهداف واضحة ، ومعلنة بشفافية ، يستهدف عودة الوحدة العربية بحق بعد أن هدم أركانها بعض زعماء العرب الفاسدين الذين حولوا قاعات الاجتماعات العربية إلى حلبة صراع لتهميش القضايا الأساسية والجوهرية .
ثالثأ :-تصحيح فكرة الدولة المدنية لدى جموع الشعب المصرى البسيط ، ووضع مفاهيم ومقولات صحيحة عن علاقة الدولة بالدين ، ودور المواطن هو العمل بمبادئ الدين والأخلاق من أجل أن ُيفعل مبادئ ، وقوانين الدولة التى تكون السيادة فيها للقانون .
رابعاً :- وضع خطط استراتيجية لانتعاش الاقتصاد المصرى من خلال تعميق مشروعات مشتركة مع تركيا ، ودول الجوار ، وتعلن تلك المشروعات بشفافية ، ونزاهة تامة للشعوب العربية، وإفساح المجال لكل من لديه طاقة إبداعية للعمل فى تلك المشروعات، والمساهمة فى تحقيقها .

وأخيراً:- التسلح بالتعليم والعلم، والثقافة، والإيمان سبل النهضة الحقيقية لكافة الشعوب ، ويمكننا أن نحقق مآربنا بالصبر ، والعمل ، والكفاح المشترك ، وليس بعلو الأصوات حيث حالة الركود ،والخمول، واللافعل .
ومن ثم في الختام يحضرنى قول المولى عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)( سورة آل عمران ، الآية 110 ) .