من كتاب " رحلة إلى الشرق " تأليف جيراردى نرفال - الدار المصرية للنشر و الترجمة - الجزء الثانى
كان المؤلف فى رحلة إلى مصر و اضطر إلى شراء جارية و اسمحوا لى بنقل جزء صغير من كتابات المؤلف .
ما أكثر ما تلعب الحياة الشرقية معنا من أمثال تلك الحيل ، إن كل شىء يبدو فيها لأول وهلة بسيطاً و قليل التكاليف و يسيراً ، ثم ما يلبث الأمر أن يتعقد بالضروريات و العادات و الأهواء ، فنجد أنفسنا قد اقتدنا إلى حياة الباشوات التى إذا أضيفت إلى الفوضى و عدم الأمانة فى الحسابات كانت كفيلة بامتصاص أكثر حافظات النقود إمتلاء ، و لم أكن أريد إلا أن أتمرن بعض الوقت على الحياة الخاصة فى مصر ، بيد أنى كنت أرى شيئاً فشيئاً نفاذ ما لدى من موارد أدخرتها لسفرى المقبل .
فقلت للجارية شارحاً لها الموقف : يا طفلتى الصغيرة ، إن كنت تريدين البقاء فى القاهرة فأنت حرة ، و كنت أتوقع منها فورة من الإعتراف بالجميل ، و لكنها قالت : حرة ، وماذا تريد أن أصبح ؟ حرة ! و لكن أين أذهب ؟ الأوفق أن تبيعنى ثانية لعبد الكريم .
- ولكن يا عزيزتى ، إن الأوربى لا يبيع النساء ، فقبوله مثل هذه النقود أمر شائن .
فقالت باكية : و ماذا إذن ؟ هل أستطيع أنا أن أكسب عيشى ؟ هل أستطيع القيام بأى عمل ؟
- ألا تستطيعين الإلتحاق بخدمة سيدة من دينك ؟
- أنا أصبح خادمة ؟ أبداً بعنى ثانية ، فسيشترينى مسلم من المسلمين شيخ مثلاً ، و ربما باشا من الباشوات ، فأصبح من جديد سيدة عظيمة ! إذا كنت تريد هجرى فعد بى إلى السوق .
- لعمرى إنه لبلد غريب ذلك الذى ترفض الجوارى فيه الحرية .
و مع ذلك فقد كنت أشعر أنها على حق ، و كنت قد عرفت الكثير عن حياة المجتمع الإسلامى الحقيقية ، لكيلا أشك فى أن حياتها كجارية أرقى بكثير من حياة المصريات البائسات اللاتى يستخدمن فى أعنف الأعمال و يلقين التعاسة مع أزواج بؤساء ، إن منحتها الحرية يعنى تسليمها إلى أحزن الأوضاع ، وربما إلى العار ، و لما كنت أعتبر نفسى مسئولاً عن مصيرها فقد قلت لها : حيث أنك لا ترغبين فى البقاء فى القاهرة فينبغى أن تتبعينى إلى بلاد أخرى .
فقالت : أنا و أنت سوا سوا .
- و أسعدنى هذا القرار ، فذهبت إلى ميناء بولاق لحجز زورق ليقلنا فى فرع النيل من القاهرة إلى دمياط .
انتهى الجزء المنقول .
هل يوجد فى الشعب المصرى مثل هذه الجارية التى ترفض الحرية ؟