"اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه "


كم من المعاني العظيمة التي تحملها تلك الكلمات

المعنى الأول الحق

إن من الأسس التي قامت عليها الحياة أن يكون هناك حق وباطل ولكل منهما صفات ودلائل والإنسان مخير بين الطريقين أيهما يشاء يتخذه سبيلاً ، فالذي أختار سبيل الحق فهو من أهله والذي تركه فهو من أهل الباطل ذلك أنه ليس بينهما سبيل
يقول سبحانة وتعالى :

"ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ " سورة محمد : 3

وما إتبع الحق إلا المؤمنين الذين آمنوا أن محمد عبد الله ونبيه ورسوله حق وأن عيسى عبد الله ونبيه ورسوله حق وأن الكتب والرسل والملائكة حق وأن الموت حق وأن البعث حق وأن الجنة حق وأن النار حق.

المعنى الثاني أرنا الحق حقاً
لا يكفي أن يكون هناك حق لتحصل النجاة وإنما تحصل النجاة لو أرانا الله ذلك الحق أنه حقاً فكم من الناس والأمم جاءهم الحق من ربهم ولكن طمست قلوبهم وعميت أبصارهم عنه فما رأوه حقاً واعتبروه باطلاً فنكروه وحاربوه وعاندوا واستكبروا
يقول جل شأنه:
( وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ) سورة الزخرف : 30
ولنا في قصص وسير الأنبياء جميعاً أكبر دليل على ذلك فما من نبي أُرسل من الله إلا عاده قومه وردوه وأنكروا ما جاء به وهو الحق من ربه
"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" سورةالسجدة : 3


المعنى الثالث وارزقنا إتباعه
من أراه الله الحق حقاً ثم رزقه إتباعه لنا القدوة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما جاءهم الحق من ربهم إلا آمنوا به وصدقوا النبي واتبعوه إتباع المستسلم المسلم لأمر الله ورسوله لا إتباع العقلانيين!!
فكان إتباعهم في القول والفعل وفي الشكل والمضمون
"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"
سورة ص 26


" وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه "

المعنى الأول الباطل

إن الله هو الحق ومن سننه أنه وفي كل أمر كما يوجد الحق يوجد الباطل فالضد بالضد يعرف والحق قوي والباطل ضعيف لذا ما دخل الحق على باطلاُ إلا زهقه
"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ "
سورةالأنبياء : 18

وكما أن للحق أئمة يدعون له فإن للباطل دعاة وأئمة نسأل الله أن يحفظنا من شرورهم "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ"
سورةالقصص 41 .


المعنى الثاني وأرنا الباطل باطلاً
كم من باطل زينه الشيطان عند بعض القوم وألبس عليهم فتعاملوا معه وكأنه الحق ويظنون أنهم يرضون ربهم بإتباعه او يفكروا فى الامر كذلك

المعنى الثالث وارزقنا اجتنابه
كل نبي أٌرسل جاء لقومه بالآيات من الله وكلما رأوا آية وعلموا أن الله هو الحق وما هم عليه باطلاً ما ازدادوا إلا تمسكاً به فمنهم من كانت علته في ذلك إتباع الآباء
" بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ "
سورةالزخرف : 22


ومنهم من خاف على ضياع جاهه وماله وملكه إن ترك ما هو عليه من الباطل
فآثر الحياة الدنيا على الآخرة فهلك ومنهم من حالت نزعته القِبلية وحمية الجاهلية
دون اجتنابه للباطل مع علمه به ومثل ذلك
قوم مسيلمة الكذاب لما خرج فيهم وادعى النبوة
قالوا له إن محمداً يتلو آيات ويقول أنها من وحي ربه فقل لنا مثل ما يقول
فألف بعض الخزعبلات من الأقوال وادعى أنها من وحي الله له
وتعالى الله سبحانه أن يكون ذلك من كلامه
فما أن سمعه قومه وعرفوا كذبه إلا أن قالوا :
والله إنا لنعلم إنك لكذاب ولكن أن يكون لنا نبي نتبعه
من قومنا خير لنا من أن نتبع نبي من قريش!!
ومن الناس وما أكثرهم في زماننا هذا من عرفوا الباطل وأوغلوا فيه
لما عظّموا عقولهم يأتيهم الدليل من الشرع واضح
على ما هم فيه من الضلالة فيستكبروا ويعاندوا ويردوه
بعد احتكامهم لعقولهم الخاوية وقلوبهم المريضة
ولهم في ذلك أسوة في معلمهم الأول إبليس لعنة الله عليه
لما أبى الامتثال لأمر ذي الإكرام والجلال حسدا من عند نفسه

( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) سورةالأعراف : 12