قاطرة التنمية لقب التصق بالتعليم الفنى وهو مايجب أن يكون عليه بالفعل بل إنه الأمر المؤكد فى الكثير من الدول التى تجعل التقدم والتنمية رهنا به وبمنحه الاهتمام والرعاية التى يستحقها.

فى مصر الحال مختلف اكتفينا فقط بالشعارات والتأكيد على ضرورة الارتقاء به ورفع مستوى خريجيه بل ومؤخرا تناثرت أخبار عن احتمال تخصيص وزارة مستقلة له وكأننا اختزلنا كل مشاكله فى عدم وجود وزارة له ..

"قضية الاسبوع"تفتح ملف التعليم الفنى فى مواجهة حقيقية على أرض الواقع لهذا الارث المعبأ بالهموم والمشكلات الذى أغضضنا الطرف عنه فى حين أن نظرة واحدة متأنية الى حاله سوف تشير على الفور الى أنه من أخطر روافد البطالة حيث يضخ الى طوابيرها أكثر من نصف مليون من خريجيه سنويا وأن فصوله تزخر بأعداد لا حصر لها من الأميين باعتراف المسئولين ناهيك عن أنه أثقل كاهل الاقتصاد المصرى..


٧٠٪ من الخريجين أميون .. والنتيجة صفر
تحقيق:وجيه الصقار
برغم أن التعليم الفنى يمثل طلابه ٦٤٪ من طلاب التعليم الثانوى وميزانيته لاتتعدى مليار ونصف المليار جنيه،موزعة على ألفى مدرسة ،إضافة إلى ٦٠٠ مركز تأهيلى فنى فى هذا القطاع ،غير أن الميزانية المرصودة لاتغطى تكاليف سبع مدارس تدخل برامج التطوير ،فى الوقت الذى لاتتعدى فيه ميزانية التعليم فى مصر ٧٠ مليار جنيه ،ينفق ٩٢ ٪ منها على الرواتب فقط ،بما يؤثر سلبا على الأداء التعليمى فى جميع مراحل التعليم.
بداية يؤكد الدكتور محمد سكران أستاذ أصول التربية أن مشكلة التعليم الفنى أنه يستوعب أقل المستويات التعليمية فالمدخلات الرديئة لابد أن تكون نتيجتها من نفس المستوى ،وهوما نلمسه على مستوى الأداء اليومى بالمدارس، فالمدرس ليس مؤهلا للمستويات العليا المتقدمة فى التخصص ،وليس لديه إمكانات الحصول والتدريب حتى على الآلات المتقدمة المفيدة للطالب فى حياته العملية، لذلك نجد أن الطالب يتخرج فى مستوى لايصلح للعمل فى السوق بعد سنين ضائعة من عمره،فالتعليم الفنى يضخ سنويا بالشارع نحو ٦٠٠ ألف شاب بدرجة عاطل ،فلا تعليم ولا حتى صنعة تنفعه لأنه حتى الإمكانات بالمدرسة ليست متوافقة مع تطور السوق واحتياجاته ليتحول هذا النوع من التعليم إلى إعاقة لتقدم الشباب فيبحث عن عمل مكتبى ،وحسب الوساطة ،فلا خامات متوفرة للمدرس إلا فى حدود مائة جنيه فى العام كله .ولايكون أمامه سوى إنجاح الطالب فى أعمال السنة وفى درجات الإمتحانات على صفحات بيضاء فى غفلة من المسئولين أوتغافلا فى الغالب، وإدراكا من المدرس بأن التعليم الفنى تمثيلية مع الإلتزام برفع النتيجة إلى أكثر من ٧٠٪ ترتفع إلى٩٥٪ فى الدور الثانى.

تحسين المستوى
ويرى نبيل فوزى المدير بالتعليم الفنى أن فكرة الغاء التعليم الفنى أوبعض مدارسه هى فكرة واقعية لأنه ضار ومضيع للوقت فى ظروفنا الحالية من التجاهل والإهمال،وأنه مع الضرورة يجب أن يرتفع مجموع القبول به إلى ٦٠٪ على الأقل لتجفيف مصدر الأمية القادم من التعليم الأساسى، وأن فرصة الدور الثانى أوالإعادة قد تعطى الفرصة لتحسين مستوى الطالب بدلا من النجاح الوهمى وهو ما يعد جريمة فى حق الوطن بالتدمير المنظم لامكاناته البشرية فى أغلى مايملك وهو الشباب والمستقبل، وأضاف أن الحل الأفضل الآخر أن تجرى المدرسة اختبار قبول للطالب حتى ولو فى القراءة والكتابة لضمان قدرة الطالب على المذاكرة والفهم ،وأن تتوفر الإمكانات والماكينات للورش والمعلم والتدريب على المستحدثات لأن المدرس نفسه موظف لايصلح فى سوق العمل -للأسف حتى فى تخصصه ،لدرجة أن بعض المدرسين يشترى أجهزة من خارج المدرسة ويوهم الموجه والمدير بأنها من صنع الطلاب ويعرضها فى المعارض ومسابقات المدارس،لتكون مدرسته نموذجية ،فضلا عن أن بعض الأجهزة تكون فى عهدة العامل أو المدرس ويخاف من تلفها أو سرقتها فيحجزها عن الطلاب طوال العام أو يجعلها للفرجة فقط، فمثلا قسم السيارات لايعرف الطالب منه معلومات تزيد على مايعرفه المواطن فى الشارع،ولم يحدث أن تم فك أوتركيب سيارة عن طريقه أو حتى بالمشاهدة ،فالدراسة نظرية فقط ! فإذا أراد الطالب تعليما حقيقيا ذهب للتعلم فى ورشة على يد صنايعى لم يذهب للمدارس ويضيع وقته .وأنه يجب ملاحظة أن نسبة من الطلاب الملتحقين بالتعليم الفنى معاقون ذهنيا أوغير أسوياء،لذلك وجب أن نخصص لهم فصولا دراسية تتناسب وامكاناتهم العقلية والذكائية ،والمؤسف أنه وسط هذه الفوضى يصلون لمستوى التعليم العالى بسبب الغش ودرجات العطف والرأفة وغيرها.

شعار الاستراتيجية
اماالدكتورأحمد حجى أستاذ الإدارة التعليمية بجامعة حلوان فيرى أن الدولة تعتبر أن التعليم هو الثانوية العامة فقط،لذلك فإنه طوال السنوات الماضية تجد كل وزير يرفع شعار استراتيجية جديدة ويبددمئات الملايين من الجنيهات من أجل أن يبقى فى موقعة ،مستغلا جهل القيادة بالفنيات الأساسية للتعليم النوعى ،وبرغم أهمية التعليم الفنى فىالنهوض بالبنية الأساسية للوطن ،فالتعليم الصناعى يمثل ٣٠٪ ،والزراعى ٨٪ والتجارى والفندقى٢٦٪" ،وهى أجيال تصب فى الشارع مباشرة بمايشكل خطرا على الأمن القومى المصرى ونتلقى منهم الجماعات الإرهابية لأن عقولهم ليس فيها شئ مما يسهل السيطرة عليهم بالفكر المنحرف ،فكل مايجرى بتلك المدارس من حيث المناخ والإدارة والمعلمين وحتى الطلاب ،ليس موجها لتخريج جيل مفيد للوطن أو أهدافه القومية لذلك فالجميع يعتبره درجة ثالثة ،وأن خريجيه مجرد عمال لافائدة منهم، إضافة للمستوى المتدنى للمناهج. وأشارمحمد محفوظ مدرس بمدرسة صناعية إلى أن تطوير التعليم الفنى يجب أن يرتبط بما يتناسب معه وعلى سبيل المثال فإنه فى حالة التعليم الصناعى هناك ١٣ تخصصا أساسيا ،ويمكن أن تتحول المدرسة إلى وحدات مصانع وورش عمل لها نشاط عملى فى السوق وتدخل المنافسة ،وهذا يدفعها للتطوير والإنتاج ،ومن ذلك يمكن توفير الإمكانات للمدرسة ،إضافة لنظام التعليم المزدوج (مبارك-كول) والذى يجعل التعليم من داخل المصنع متواكبا مع الدراسة النظرية ،وهى احسن تجربة تعليمية حتى الآن لأنها تعطى الفرصة للتعلم الحقيقى، إضافة لضمان العمل مباشرة بلا بطالة ،ويمكن للمدارس أيضا تحت أى مسمى الاستعانة بمساهمات رجال الأعمال أوالبنوك أوالشركات والمصانع ،ويمكن أن نطبق ذلك أيضا على التعليم الزراعى بالشركات الزراعية واستصلاح الأراضى من خلال المدارس وأن يحصل المتخرج على خمسة أفدنة مثلا ،وكذلك فى التعليم التجارى العمل فى دواوين الحكومة حسب الدرس المقرر،أما الفندقى فإن أبوابه مفتوحة فى الفنادق والمناطق السياحية المنتشرة ،وهى كلها وسائل ليتخرج الطالب مطلوبا فى قلب سوق العمل ،ويمكن أيضا أن نبدأ التخصص فى التعليم الفنى من المرحلة الإعدادية وكشف استعدادات الطالب المناسبة فى أى مجال ،ويصرف له راتب فى المرحلة الثانوية بعد بلوغه مرحلة الإنتاج الحقيقى ،ويمكنه بعد ذلك دخول الكلية التى تناسب تخصصه.

مدارس فخمة
أما صفاء محمود المعداوى وكيل وزارة التربية والتعليم بالقاهرة ،فتبدى اسفهامن وجودأبنية فخمة للمدارس الفنية بينما الورش التدريبية القائمة بالفعل خاوية تقريبا من الآلات والمعدات التعليمية فى ظل بيروقراطية الموظفين،والنتيجة أن الخريجين لايعرفون أساسيات التخصص حتى أصبحت المدرسة بمعزل عن الحياة العملية ،فى الوقت الذى تأمل فيه الدولة أن تجعلهم قوة ضاربة لتنمية الاقتصاد فإذا بهم عبء ثقيل عليه وعلى الدولة ،ذلك بعد أن أهملنا تلك المدارس فأصبحت متخصصة فى تخريج العاطلين ،بسبب عشوائية القرار وغياب الرؤية ،وحدوث فجوة بين النظرية والتطبيق ،ونتيجة سوء الإدارة وضيق الأفق المهنى لبعض المسئولين تجاه المستجدات،وغياب الشراكة بين المصانع والمدارس بالوزارة ،والإدارة المركزية التى تتجاهل رأى ودور المديرين بالميدان العملى ،وغياب الوعى بتحركات السوق والتخصصات المطلوبة له ،يضاف إلى ذلك عدم حماس المعلمين بالتعليم الفنى،حتى أصبح تعليما نظريا باهتا بلا هدف. وأشارت وكيل الوزارة الى أنه تم أخيرا وضع خطة على مراحل للنهوض بالتعليم الفنى من خلال استراتيجية تضمنت ٣٥ اتفاقية مع وزارة الصناعة و١٥ شركة ودول أوروبية منها إيطاليا لإنشاء ٣ مدارس لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتخريج ٥ آلاف تلميذ فى٥ سنوات والنهوض بمستوى المدارس ،حيث أن ميزانية التعليم الفنى لاتكفى لاقامة ٧ مدارس مجهزة بمواصفات عالية ،ليكون لها مردود حقيقى وسريع فى الإنتاج وتعليم الدارسين ،فالميزانية منذ قريب كانت لاتتعدى ٣٠٠ مليون جنيه ،لذلك فإن الإعتمادات الأساسية فى التطوير تحتاج خمسة مليارات جنيه على خمسة مراحل بالشراكة مع شركات متخصصة لتجهيز المدارس ضمن مشروع (مدرسة داخل مصنع )،وتحدد بالمناطق الصناعية ،وتشمل المرحلة الأولى،صناعات الملابس الجاهزة ،والأجهزة الكهربية ،والميكانيكية ،والتبريد والتكييف على مدى الخطة التى تطبق جزئيا كل خمس سنوات .





الاقتصاد المصرى يدفع الفاتورة
تحقيق: مي الخولي
فى الوقت الذى لم يعد لنا مناصا من تطوير التعليم الفنى حتى تلحق مصر بركب شد الرحال منذ القرن الثامن عشر فى إنجلترا عبر ثورة صناعية عظيمة إمتد نفوذها لتشمل الدول الاوربية فى القرن التاسع عشر ومن ثم الى العالم اجمع.
وحاولت مصر اللحاق بذلك الركب لكنها تعثرت فى الطريق وثمة اسباب تقف حائلا بين الوصول ، لا يخفى على احد ان اهمها على الإطلاق هو تدهور التعليم الفنى ، والمخول له تأهيل عمالة قادرة على مواجهة تحديات الصناعة والمشاركة فى دخول مصر الى ركب الثورة الصناعية الذى إنطلق منذ زمن بعيد ولم نلحق به بعد .. فهل تفعلها الدولة وتلتفت الى ضرورة تطوير التعليم الفنى بصفته البوابة الوحيدة لدخول الى الثورة الصناعية ومن ثم الى اقتصاد قوى ؟

بداية التدهور
د. عمرو كامل مرتجى عميد كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة الامريكية يشير الى أن تدهور التعليم الفنى فى مصر يعود الى خطأ تم ارتكابه فى السبعينيات ولا زالت الدولة تتكبد خسائر اقتصادية جراءه حتى الآن ، عندما تم اتخاذ قرار بتحويل المعاهد الفنية القوية فى ذلك الوقت لكليات هندسة ، وهو ماترتب عليه زيادة مطردة فى أعداد خريجى كليات الهندسة مقابل تقلص شديد فى أعداد خريجى المعاهد الفنية وظلت هذه الفجوة تزداد حتى تخطت النسبة إلى 50 مهندسا فى مقابل فنى واحد وهو ماقلل من أهمية وجود مهندسين لصالح الفنيين ولم يعد لدينا وفرة فى اعداد الفنيين وهو مايترتب حتمية زيادة تكلفة التصنيع وضعف جودة المنتج لعدم وجود الفنى المتخصص والعمالة الماهرة ، وكان لتلك المقدمات نتيجة منطقية هى تكبد الإقتصاد المصرى خسائر فادحة جراء هذا الوضع الخاطىء ، وإذ ما أردنا رؤية الفارق بين الدول التى اهتمت بالتعليم الفنى والدول التى أهملته فلننظر الى اليابان وكوريا وماليزيا والدول التى ظهرت فى الأربعين عاما الاخيرة والتى اعتمدت بالأساس على الصناعة التقنية وكيف ارتكزت على الصناعة والتقنيات التى لاتقوم بالضرورة إلا على كتف تعليم فنى متطور .
أما د. حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى فيشير الى ان التعليم الفنى ضرورة للتنمية الاقتصادية ولكنه تعليم تطبيقى يعتمد على النواحى التطبيقية العلم ولذلك فإن مشكلته هو تكلفته العالية حيث انه تطبيقى يحتاج الى أجهزة ومعامل وتدريب عملى للطلبة على الحرف والصناعات التى سيمتهنونها بعكس التعليم النظرى الذى لايشترط له التكلفة العالية وبالتالى تكون الأعداد قليلة والإمكانيات محدودة وهو مايترتب عليه خريج ضعيف من الصعوبة بمكان إيجاد فرصة عمل مناسبة لسوق العمل حيث إنه لم يكتسب الخبرة المهنية.

تصور جديد للتطوير
ويضيف د. حمدى أن نماذج التعليم الفنى قاصرة لعدم وجود كفاءات بالتعليم الفنى يلتفت إليها المجتمع ولا معدات أو آلات بمعامل وورش متخصصة أو حتى أساتذة مدربين وهو مايترتب عليه صورة سيئة للتعليم الفنى لدى المجتمع ، خاصة انه يعتبر المنفذ الوحيد للطلبة اصحاب المجاميع القليلة الذين تعثر دخولهم الى الثانوية العامة وحتى عندما ينهى قسطه من التعليم الفنى فإنه يتخرج بمؤهل متوسط وهو مايجعله فى حرج من مجتمع ينظر اليه نظرة دونية لايستحقها ووضع اجتماعى أقل ، وهو مايجعل الدولة أمام معضلة وواجب حتمى بضرورة إيجاد تصور آخر لسير التعليم الفنى وإدارته ويجب ان يكون طلبته مجموعة منقاة وفقا لميولهم وليس على أساس ضعف المجموع فحسب كما أنه يجب ان يؤهل من خلال المنح الأجنبية للدول التى قطعت شوطا فى تلك النوعية من التعليم ولابد ان تنتهى الدراسة فى الدبلومات الفنية الى جامعة تطبيقية أو فنية تنشأ خصيصا للتعليم الفنى حتى يتثنى لخريج هذه الشريحة التعليمية من توفر المكانة الإجتماعية اللائقة وكذلك الناحية التقنية التى ستفيد المجتمع بالنهاية ، كما ان الدولة بحاجة لطلب الدعم العلمى والمعلوماتى من الدول المتطورة فى هذا المجال وكذلك المستثمرين وأصحاب المصانع وورش التعليم الفنى لربط الخريج بسوق العمل وتسهيل تدريبه.

تجارب الدول الصناعية
ويحكى الخبير الاقتصادى عن تجربته فى ألمانيا عن التعليم الفنى قائلا إنها مهتمة جدا بمتابعة تطوير التعليم الفنى بمصر وأنهم سألوه عن مدى نجاح مشروع " مبارك كول " فأجابهم انه ناجح جدا ويقدم تجربة رائدة فى التعليم الفنى لكننا بحاجه إلى المزيد لأنه لايكفى لكل الأعداد التى تتلقى تعليما فنيا ومن حقهم أيضا توافر ورش ومعامل أكثر لتدريبهم للربط بين الخبرة العملية والنظرية ، ويسترسل قائلا أن الدولة فى فترات سابقة كانت ترسل فنيين السيارات لإستكمال تعليمهم الفنى فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى يكتسب خبرة أكبر فيعود ليفيد الدولة اكثر فلماذا اختفى هذا الإهتمام بالتعليم الفنى ونحن بحاجة ماسة الى تطويره ؟!
مضيفا أن ميزانية التعليم الفنى فى مصر لا تتعدى ال 10 % من ميزانيات دول مثل ألمانيا او فرنسا أو أى من الدول الصناعية الأخرى ، هذا بخلاف أن تلك الدول تبدا لتأهيل طلابها بعد المرحلة الإبتدائية بعد ان تختبر ميوله وقدرته على التدريب وبناء على رغبته وموافقة أسرته لياخذ مساره فى التعليم الفنى بمجرد انتهاء المرحلة الابتدائية ويختتم د.حمدى عبد العظيم حديثه بكلمات قالها ببالغ الأسف والحسرة أنه كان من الممكن أن نلحق باليابان صناعيا فقد بدأت معنا فى عام 1952 التوجه نحو التصنيع لكنها أكملت وتوقفنا نحن وتعرضت صناعاتنا للتخريب والإهمال ، فقد كان من الممكن لمصر أن تتقدم فى الصناعات الهندسية والإلكترونية محليا بدلا من استيرادها ، فقد تمكننا من تصنيع صواريخ الظافر والقاهر وسيارات وتليفزيونات لكننا توقفنا ولم نطورها ولو كان اهتمامنا بها قد استمر منذ الستينيات لكانت الأوضاع قد تبدلت كثيرا للأفضل صناعيا .

.. وزيارة ميدانية تكشف بعدا آخر للمأساة
وفى جولة ميدانية بمدرسة الجيزة الثانوية الكهربية بالهرم، وهى أكبر مدارس الجمهورية على الإطلاق وبها ١٦٨ فصلا موزعة على أربعة أنواع من التعليم، هى على الترتيب : التعليم الصناعى النظامى العادى ،والتعليم المزدوج (مبارك كول سابقا)،وتغيير مسار (لمستنفذى الرسوب فى الثانوية العامة)،والطلبة العمال.
حيث يتعدى عدد الطلاب ثمانية آلاف طالب موزعين على ٢٣ تخصصا أساسيا،وينقسم كل تخصص مابين قسم وثلاتة أقسام، لذلك تنقسم الدراسة لفترتين،الأولى الصباحية للصفين الثانى والثالث والثانية للمسائى للصف الأول والعمالى ، ولاحظنا وجود عددكبير من الورش والمعامل المتخصصة والتى تزيد على سبعين ورشة ومعمل، ابرزها ورشة الخشب والتى تتولى من خلال الطلبة والمشرفين صناعة أدراج ومكاتب ومهمات مدارس محافظة الجيزة بالكامل ،وهناك أقسام الزخرفة التى يتعلم فيها الطالب إعداد ودهان المنتج والديكورات،والحدادة الذى يتولى مشروعات المدارس من طلبات واحتياجات لحسابها ،وقسم التبريد والتكييف الذى يعانى نقصا فى الامكانات برغم أهميته الشديدة ومستقبله المهم ، وقسم السيارات الذى يعانى نقصا شديدا فى الإمكانات لدرجة أن الطالب تكون معلوماته _ وحسب مسئول به،بنسبة ٥٠٪ فقط عمليا فى هذا التخصص ،وهذا بالطبع يكشف نموذجا لأوجه القصور التى تعانيه العملية التعليمية بالمدرسة.
و يبرر المهندس سامى محمد مدير عام المدرسة هذا القصور بأن الإدارة بالمدرسة تمشى بالدفع الذاتى ربما تمشى كثيرا بالجهد الذاتى للمعلمين والمدربين ،لأن ميزانيتها للخامات على مستوى العام الدراسى لعدد ٢٣ قسما لم تتعد ٢٢ألف جنيه ونصف الألف ،بما يعنى أن قسما به ألف طالب و٣٠ مدرسا ومدربا لايزيد اعتمادهم على ألف جنيه فى العام كله من بداية الدراسة حتى الامتحانات،فى حين أن خمسة آلاف جنيه ،قد تكون حدا أدنى فى المتوسط العام لأداء خدمة تعليمية حقيقية، وهى مشكلة عامة بين المدارس الصناعية .ومع ذلك لم تعتمد لنا قيمة الميزانية الجديدة حتى الآن لتىسير المدرسة فى أداء عملها الأفضل.

مشروعات الدولة
وأضاف مدير عام المدرسة الصناعية أننا يجب أن نعترف بأن التعليم الفنى لم يأخذ حقه من رعاية الدولة مع أن المرحلة القادمة ومشروعات الدولة الحديثة ستعتمد عليه تماما،لذلك لا نلوم المدارس بأن خريجيها أقل فى المستوى أحيانا من العامل فى الشارع ،وهذا يكشف أن بعض الخريجين لا يصلحون لسوق العمل ،فالذى لايدركه الناس أن طالب التعليم الفنى يحتاج اعتمادات تساوى تكاليف ٧ طلاب بالتعليم العام وأكثر،ولو أننا أضفنا مشكلة فكرية واجتماعية لدى الناس والدولة بأن التعليم هو الثانوية العامة فقط ،لذلك يدخل إلينا الطالب وهو يشعر بالنقص وقلة القيمة فى حين أن لدينا أولاد نوابغ يمكن أن ينافسوا فى المستوى طلاب الثانوى العام ويتفوقون عليهم ومع ذلك تغلق الدولة أمامهم فرص التعليم فى كليات الهندسة إلا بمعادلة لا تسمح بنجاحهم فى الواقع إلا بنسبة ١٪ وتحت تأثيرات خارجية ،ولاتوجد إلا كلية التعليم الصناعى التى لاتقبل آقل من مجموع٩٠ % ليكون الباب شبه مغلق أمامهم ، ،والنتيجة أن هذه المواهب تضيع لعدم الرعاية الكاملة ويقتلها اليأس مبكرا.
وحول وجود طلاب أميين بالمدرسة أكد المدير أنها حقيقة ،لذلك تعقد المدرسة اختبارا بسيطا لهم فى اللغة العربية مع بداية العام ومن يحصل على أقل من ٥٠٪ نلحقه بفصول محو الأمية فى حصص مدرسى اللغة العربية وهذا أقصى مانتبعه ونبلغ الوزارة بالنتائج ،ولكن رسوب الطالب فى القراءة لايمنع دخوله الامتحان الأساسى الرسمى ،وحسب النظرة الدونية للتعليم الفنى،فإن مدرس المواد الثقافية مثل الانجليزىة والعربىية والفيزياءوغيرها لايتعاونون مع الإدارة فقد يحسون بأنهم ظلموا أو استبعدوا من مسارهم الأفضل فى التعليم العام وأنهم جاءوا بطريق الخطأ إلينا لأنهم لا يعتبرونه تعليما ويوحون للطلبة بذلك أحيانا.

توظيف المدارس
ويقترح المهندس مجدى ينى المدير الفنى بالمدرسة ضرورة توظيف امكانات المدارس الفنية فى العمل الميدانى فى المشروعات الخاصة لتكون فرصة للعمل الميدانى للطالب بالسوق فيحسن الأداء ويفهم المطلوب فى الساحة بدلا من الانعزال فى كتاب وورشة بلا امكانات ،وتنظم هذه العملية من خلال مايمكن أن يسمى ( مركزخدمة مجتمع)خاص بالمدرسة ويكون فى موقع مميز ومعروف لينظم التعامل مع الجمهور والهيئات ،وتتولى الورش من مدرسين وطلاب مرحلة التصنيع ،فتكون فائدة مزدوجة ،ماديا للقسم لتوفير الخامات وتدريب الطالب فى ميدان سوق العمل قبل أن يتخرج ،ونصبح مصدرا رئيسيا لتوريد العمال المهرة للشركات، غير أن المشكلة الآن أن هناك قانونا لمصالح الدولة اسمه الضريبة والضميمة وهو يحصل من أى مشروع تتولاه المدرسة نسبة ٣٠٪ من قيمته لخزانة الدولة، ومع وضع هذه النسبة مع مبلغ المناقصة يكون المبلغ عاليا بالنسبة للمتقدمين فتضيع منا المناقصة لأننا حكومة وعلينا قيود القانون ،بينما المنافس من القطاع الخاص لايعيقه شئ ويكسب على حسابنا بسبب عقم القانون الذى غل يدنا وقدراتنا مع أننا نعطى الأفضل والأرخص فى الواقع ،لذلك يجب أن يلغى هذا القانون لحل مشكلة التعليم الفنى.